الكلام في الحديث الأوّل (?):
أما قوله: إلا تَرُدُّوا السّائلَ ولو جاء على فرسٍ" أمّا إعطاء السَّائل من الصّدقَة الواجبة ففرضٌ، وأما إعطاؤه من صلب المال فلا يلزم إلَّا على تفصيلٍ يأتي بيانُه في "كتاب أحكام القرآن" (?) ولكنَّه يُستَحبُّ في الجملة ألَّا يرجع خائبًا، لئلّا يتعيّن له حقٌّ فيتوجّه على المسؤول عتاب أو عقاب. فإنّ السّؤال قد يكون واجبًا، ومندوبًا. أمّا وجوبُه فللمحتاج، وأمّا نَدبُه فلمن تعينة وتتبيّن حاجتُه إن هو استحيا من ذلك، أو رجاء أن يكون بيانُه أنفع. وقد كَثُر اليوم السّؤال والإلحاف، ولكن لا يتصوَّرُ الإلحاح من السائل إلَّا إذا أُعطِيَ وقبل أن يُعطَى ولو سأل يومه كلّه ما كان مُلِحًّا ولا مُلحِفًا، حتّى لو أُعْطِيَ لا يكون سؤاله بعد الإعطاء إلحاحًا ولا إلحافًا، بشرط أن يأخذ كفايتَهُ.
وقوله: "ولو بِظِلفٍ مُحْرَقٍ" (?) اختُلِفَ في تأويله:
فقيل: ضرب به مثلًا للمبالغة، كما جاء: "مَن بَنَى للهِ مَسجدًا ولو مثل مِفحَصِ قَطَاة، بنَى الله له بيتًا في الجنّة" (?).
وقيل: إن الظِّلْفَ المحرقَ كان له عندهم قَدْرُهُ؛ فإنَّهم كانوا يَسهَكُونَهُ (?) ويسقونه.