نكتةٌ بديعة (?):
وذلك أنّ تعلم أنّ الله تعالى خلق الخَلقَ أشتاتًا في الأهواء؛ لأنّه خَلَقَهُم من أشتاتٍ في الابتداء، ثمّ دعاهم إلى التآلف، وذلك ضدّ ما جبلهم عليه؛ لأنّه تعالى هو الدَّاعي، وهو المُيَسِّر، وهو الخالق لكلِّ شيءٍ له مقدار المقدَّر له، فإذا يسَّرَكَ لما أمرك فقد أدركت، وإذا حال بينك وبينه بُعْدٌ فقد فات، وكلُّ ذلك علامة على الهَلَكَةِ أو النّجاة. ولأجل هذا جعل في الهجران ثلاثًا؛ لأنّ المرء في ابتداء أمره في الغضب مغلوبٌ، فرخَّصَ له في التَّمادي على حاله حتّى يسكن الغضب بالاغتسال، كما جاء في الحديث (?).
والهجرانُ على أوجهٍ: فإن كان من أجل الدِّين، أو كان رجلًا مبتدعًا، فهجرانه جائزٌ، كما بينَّاه قبلُ، أنّ في حديث كعبٍ أصلًا في هجران أهل المعاصي والبدع.
حديث مالك (?)؛ عن ابنِ شهاب، عن أنس؛ أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أَنْ يُهَاجِرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ".