وفي المدينة أعظمُ من المعصية في غيرهما، وكما تُضاعَفُ الحَسَنَات في البقاع الشّريفة والأزمنة الشّريفة، كذلك تُضَاعَفُ السّيئاتُ. قال الله العظيم: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} بظلم} الآية، إلى قوله {عَذَابٍ أَلِيمٍ} (?). وقال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (?) وإن أراد السائلُ: أيُّ الأعمال فيهما أفضلُ ثوابًا؟ قلنا له: ما لم يُعَيِّنْ للعمل بُقْعَةٌ من مكّةَ أو المدينةِ فالفضلُ في ذلك سواءٌ، إِلَّا السُّكنَى كما بيَّنَّا، فالسُّكنَى في المدينة أفضلُ اقتداءً بالنَّبىِّ، فصُحبةُ المدينةِ أحبُّ إلينا من مَكَّةَ، اقتداءً بالنَّبيّ -عليه السّلام- حين قالت له عائشةُ رضي الله عنها: إنِّي دخلتُ على عامرٍ بنِ فُهَيْرَةَ، فوجدْتُه قد وُعِكَ، وهو يقول:
قد رَأَيْتُ المَوتَ قَبلَ ذَوقِهِ
إِنَّ الجَبَانَ حَتفُهُ من فَوفِهِ
ودَخَلتُ على أبي بكرٍ وقد وُعِكَ، وهو يقول:
كلُّ امرىءٍ مُصَبّحٌ في أَهلِهِ
وَالمَوتُ أَدنَى مِنْ شِرَاكِ نَعلِهِ
ودخلتُ على بلالٍ وقد وُعِكَ، وهو يقول:
أَلَا لَيتَ شِعرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً ... بِوَادٍ وَحَولِي إِذخِرٌ وَجَلِيلُ؟
وَهَل أَرِدَن يَومًا مِيَاهَ مَجِنَّةِ ... وَهَل يَبدُوَن شَامَةٌ وَطَفِيلُ؟
فأخبرت بذلك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا المَدِينَةَ كَحُبِنَّا مَكَّةَ أَو أَكثر وَانقُل حُمَّاهَا فَاجعَلهَا بِالحُجفَةِ" (?).
مزيد وضوح:
فظنَّ قوم (?) بهذه الآثار أنّ المدينة أفضل من مكّة بدعاء رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - للمدينة