وليَّ المقتولِ مخيَّرٌ، إنَّ شاء أخذَ الدِّيَةَ، وإن شاءَ قَتَلَ.
والأصل في ذلك: الحديثُ الصَّحيحُ المتَّفَقُ عليه من جميع الأُمَّة، الّذي قاله النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - في خُطبَتِه: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فأَهلُهُ بَينَ خِيرَتَينِ: إِنَّ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ" (?) وليس لأحدٍ مع هذا الحديث نَظَرٌ؛ لأنّ المعنى يَعضُدُهُ مع صِحَّتِه، وهو أنّه إذا قال له: أعطِني دِيَّتَكَ وأستَحْيِيَكَ، فقد عَرَضَ عليه بقاءَ نَفسِهِ بثمنِ مِثلِهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُه، أصلُه: إذا عَرَضَ عليه الطّعامَ في المَخمَصَةِ بقيمتِهِ، وليس على هذا كلامٌ يَنفَعُ لهم.
المسألة الثّانية (?):
مُوجَبُ قتلِ الخطأِ الدِّيَةُ خاصّةً، هذا إذا ثبتت بالبيّنةِ، وإن كان بإقرارِ، ففيه ثلاثُ رواياتٍ، أصَحُّها عندي الآن وُجوبُها في مَالِهِ؛ لِئَلَّا تُؤخَذَ العَوَاقِلُ بالدَّعْوَى، وليس في أصول الشّريعة ذِمَّةٌ لزَيدٍ معمورةٌ لقَوْلِ عَمرٍو.
المسألة الثّالثة (?): في مقدار الدِّية
روى ابنُ القاسم وابنُ وَهْبٍ عن مالك: الأمرُ عندنا في الجِرَاحِ على ما في كتاب عَمْرو بن حزم الّذي كتبه له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - حين بَعَثَهُ إلى نجران.
وقولُه (?): "في النَّفْسِ مِئَة مِنَ الإِبِلِ" يريدُ: على أهلِ الإِبِلِ، وذلك أنّ الدِّيَةَ ثلاثةُ أنواع: إِبلٌ، وذهبٌ، وَوَرِقٌ. وهي على أهل الإِبِلِ مئة من الإِبِلِ. وهي تجبُ بثلاثةِ أسبابٍ: قتلُ الخطأ، ولا خلافَ فيه، أعني في وجوبِهَا، وقتلُ العَمْدِ، وقتلٌ يُشبِهُ العَمْدَ،