ولمّا كان من صفاته السَّخَطُ، أَخَذَت هذه الصّفةُ جُزءًا من الخَلْقِ، فوجَبَ لهم العذابُ، واستَحَقَّت عليهم النِّقْمَةُ، إلى آخِرِ تحقيقِ هذا الفصلِ في الكتابِ المذكورِ (?). فلمّا خَلَقَ الملائكةَ يفعَلُون ما يُؤمَرُونَ، وُيسبِّحونَ اللّيلَ والنّهارَ ولا يَقتُرون، لم يكن بُدٌّ -لِمَا تقدَّمَ بيانُه- له من أَن يَخلُقَ مَنْ تجري عليه هذه الأحكامُ وهو الآدميُّ، تجري عليه المقاديرُ من خيرٍ وشرٍّ، وتَتفُذُ فيه هذه المقاديرُ من نفعٍ وضُرٍّ، والحمدُ لله الّذي بَصَّرَنا حِكمَتَهُ وأحكامَه، وإيَّاهُ نسألُ نُورًا يتيسَّرُ به العملُ.
فاتحة (?):
ولعظيم حُرْمَةِ الدِّماءِ، حذَّرَ النَّبيّ -عليه السّلام- اُمَّتَه عنها، فقال في الحديث الصّحيح: "لَا يَزالُ الرَّجُلُ في فُسحَةٍ مِن دِينِهِ ما لَمْ يَسْفِك دَمًا حَرامًا" (?). فالفُسْحَةُ في الدِّين: سَعَةُ الأعمالِ الصَّالحةِ، حتّى إذا جاءَ القتلُ ضاقَت؛ لأنّها لا تَبقَى به (?).
ورُوِيَ في رواية أخرى (?): "في فُسحَةٍ من ذَنبِهِ" والفُسْحَةُ في الذَّنب: قَبُولُه للمغفرةِ (?)، وإنَّ قَتلَ البهائِم بغير حقٍّ ليوجِبُ ذنبًا عظيمًا، فكيفَ قتلُ الآدَمِيِّ الّذي لو وُزِنَ بالدّنيا بأَسْرِها (4) لرَجَحَها (?)؟.