بمُطلَقِ الحديثِ، ومنهم من تعلَّقَ بقول عُمَرَ (?)، وإنه لَيَظهَرُ فيها الاستحبابُ. فأمّا الإيجابُ فَبَعِيدٌ دليلُه؛ لأنّ معاذًا وأبا موسى الأشعري خالَفَا عمرَ - رضي الله عنه - وسائر الصّحابة، منهم من سكَتَ، ومنهم من خَالَفَ، فتنقَطِعُ الحُجَّةُ ولا يبقَى إلّا ما ظَهَرَ مِنَ المعنى، وهو أنّه يُستّأنّى به لَعَلَّهُ قد ارتدّ بشُبهَةٍ فتُبَيَّنُ له، فإن عادَ وإلّا قُتِلَ، وهذا الاحتمالُ إنّما يَستَقِلُّ بالاستحبابِ، وليس يَقوَى باقتضاءِ الإيجابِ.
وأمّا (?) من رأى استتابته، فمالكٌ وأصحابه.
والحُجَّة لهم في ذلك قولُ عمرَ.
وحجةُ من لم ير ذلك: مطلق الحديث: "مَنْ غيَّرَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".
وذكر البخاريُّ في "كتابه" (?) أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- بعث مُعاذ بن جبل إلى اليمن وأردَفَهُ أبا موسى الأشعريّ: فوجد عنده رجُلًا موثوقًا في الحديد، فسأله عن ذلك؛ فقيل: رَجُلٌ كفر بعد إسلامه. فقال أبو موسى: لا أجلسُ حتّى يُقتَلَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -.
قال قومٌ: فهذا الدّليل على قتل المرتدِّ ولا يستتاب.
وقد رُوِيَ عن علي بن أبي طالب أنّه أُتِيَ برَجُلٍ من بني عجل قد كَفَرَ بعدَ إسلامِه، فَكَلَّمَهُ عليٌّ وَعاتَبَهُ، فَقالَ: لا أَدرِي ما تَقُولُ، غَيرَ أَنَّ عِيسَى ابنُ الله. قال: فتوطأه عليّ (?).
فهذا يدلُّ على قتله ولم يَستَتِبهُ. والذي يدلُّ على أنّ الاستتابةَ من عمر إنّما هي على وجه الاستحباب (?).