وأمّا قوله (?) في التّرجمة: "والتَّعَدِّي فِيها" فإنّه نبَّهَ على أصلٍ، فإنّ العدوانَ بابٌ عظيم، تصرَّفَت فيه الشّريعةُ بالبيانِ، وتعلّقت به منَ الأفعالِ أحكامٌ، قال النّبيُّ -صلّى الله عليه وسلم-: "إِنَّ دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم وأَعْرَاضكم عَلَيكُم حَرامٌ" الحديثَ (?)، فإذا وقعَ التّعدِّي فيها، فللشَّرعِ على المُتَعَدِّي حكمان:
1 - أحدُهما: حُكمُ زَجرٍ، كالضَّرب والقتلِ.
2 - والآخر: حُكمُ جَبْرٍ، كالقِيمَة والدِّيَة.
وفي الجبر زجرٌ؛ لأَنّه بنَقيضٍ لمِلكٍ المتعدِّي، وليس في الزَّجر جَبرٌ، ولكن فيه حفظٌ واستنفاع، وعنه وقَعَ البيانُ في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} الآية (?)، ولأجل ذلك شَرَّف الله هذه الأُمَّةَ على سائر الأُمَمِ. فإنّ القِصَاصَ زاجرٌ في كلِّ أُمَّة، وخُصَّت هذه الأُمَّةُ بالدِّيَة جَبرًا، وجعلَ اللهُ الوَلِيَّ بالخِيَارِ بين أنّ يَقتُلَ أو يَأخُذَ الدِّيةَ، وهذا هو الصَحيحُ.
ومن النُكَتِ البديعةِ في هذا الحديث: أنّ النّبيَّ -صلّى الله عليه وسلم-لم يذكر فيه الفروجَ، ولكنّها دخلت في الأعراضِ، فاستوعب هذا الحديثُ محارمَ الشّريعةِ.