والأصل في ذلك: قولُه: "لَا يَقْضِي القاضي وَهُوَ غَضبَان" (1). فكلُّ حال يمنعُ من استيفاء حُجَجِ الخُصوم فهي كالغضب.

وأمّا الحديث فصحيحٌ سنَدًا ومعنًى، خرَّجهُ أبو عيسى التّرمذيّ (?) عن أبي بَكرَةَ، والمشهورُ عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "لَا يَقضِي القَاضِي وَهُو غَضْبَان" (?) وهذا ممّا اتّفق العلّماءُ عليه أنّه لا يحكُم وهو غضبان، أراد (?) إذا نَالَهُ غضبٌ أو جُوعٌ أو جَزَعٌ، أو يُشغِل خاطره، ويفسد - بقطع النّظر- علمه ورأيه، ولهذا قال -عليه السّلام-: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدكُم وَهُو ضَامٌّ بَينَ وَرِكَيهِ" (?) لأجل ثقل ما يجده.

المسألة السّادسة:

وهو ذكرُ ما يبتدىء به القاضي عند جلوس الخُصومِ عنده، وما يأمر به، فقد قال علماؤنا: إذا تقدَّم إلى القاضي الخصمان، تركهما ليتكلّم المدِّعي منهما، فإن جَهِلَ ذلك، فلا بأس أنّ يقول: يتكلَّم المُدَّعِي منكُمَا , ولا يدعهما جميعًا يتكلّمان، لكن يبدأُ المدَّعِي فيتكلّم، فإذا فرغ من كلامه، تكلّم المُدَّعَى عليه، وليسوي بين الخصوم في جلوسهما بين يدَيه، والأقبال عليهما، وقد رُوِيَ عن عمر بن الخطّاب أنّه كان يكتب إلى أبي موسى الأشعري: "آسِ بَينَ النَّاسِ بِوَجهِكَ وَقَضائِكَ، حَتى لَا يَطمَع شَرِيفٌ في حَيفِكَ ؤلأ يَيأَس ضَعِيفٌ مِنْ عَدلِكَ" (?). ولتُسوِّي بين الخصمين وكان شُريح القاضي يُسَوِّي بين الخَصْمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015