النّبيّ إذا بيّن لهم تَفَكَّروا، فهذا لم يكن عندهم تبيين النَّبىِّ لِمَا أنزل الله إليه من الكتاب، لم يتمكَّن لهم التفَكُّر في أحكامه، وقد قال تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} الآية (?)، ومن ليس من أهل الاجتهاد فإنّه لا يرى شيئًا، ولذلك قالوا: لا يفتي من لا يعرف إِلَّا أنّ يخبر بما سمِعَ، فلم يجعل ذلك من باب الفتوى، وإنّما هو إخبارٌ عن فتوى صاحب المقالة عند الضّرورة، لعَدَمِ المجتهد الّذي تجوزُ له الفتوَى.

فهذا لم يوجَد إِلَّا عالمٌ غير مرضيّ، أو مرضيّ غير عالم، فاختلف علماؤنا في ذلك:

فقال أَصبَغُ: يُستقضَى العدل؛ لأنّه يستشيرُ أهلَ العِلْمِ ويجتهدُ.

وقال ابنُ حبيب: إنَّ لم يكن له عِلمٌ ووَرعٌ، فعقلٌ ووَرعٌ؛ لأنّه بالعقل يسألُ وبالورع يعفذُ، فإذا طلَب العالِمَ وجدَه، وإذا طلب العقلَ لم يجده.

مسألة (?):

وأمّا "اعتبارُ العدالةِ" فالظّاهرُ من أقوال علمائنا المسلمين أنّها شرطٌ في صحّة القضاءِ، وفي "النّوادر" (?) من "كتابُ أَصبَغ": أنّه يجوزُ حُكمُ المسخوطِ ما لم يَحْكُم بجَورٍ، وان لم تجز شهادته، والأوّل أصحّ (?)؛ لأنّ الفِسقَ يُنَافِي نُفُوذَ الأحكامِ كالكُفر.

نازلة (?):

وهل يعتبرُ في ذلك أنّ يكونَ سميعًا؟ لم أر فيه نصًّا، وعندي أنّه ممنوعٌ، لما يحتاجُ من سماع دَعوَى الخُصومِ وأداءِ الشّهادة، وليس كلُّ شاهد يُمكنه أنّ يكتبَ شهادته فيعرضها عليه، مع ما في ذلك من تضيِيقِ الحالِ على النَّاس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015