أَجِيرًا فَليُعْلِمهُ أُجرته" (?) والسُّنَن لا تُقاس برأيٍ، ولا تُعارَضُ بقياسٍ، والمساقاةُ من عمل أهل المدينة (?)
قلنا: لو عرَفَ الحديثَ لَمَا قال هذا، وقد كان النّبيُّ صلّى الله عليه بَيَّنَ للمسلمين أنّ بقاءَهُم في الأرض إنّما هو للمسلمين، إنَّ شاءوا أنّ يُبقُوهُم أبقَوهُم، وإن شاءوا أنّ يُخرِجُوهُم أخرجوهُم، ولو كانوا رقيقًا ما صَحَّ ذلك، وكلامهُم أقلُّ من أنّ يُتكلَّم عليه.
ومسائلُ المساقاةِ عويصةً؛ لأنّها رخصةٌ مخصوصةٌ، وإذا ثبتَ الأصلُ قياسًا مُعَلَّلًا، أمكنَ تعليلُه واطَّردَتْ فروعُه، وإذا ثبتَ رخصةٌ، عَسُرَ الضّبطُ فيه، واضطَرَبَت آراء المجتهدين عليه، ولذلك أَطنَبَ مالكٌ في المساقاة، وذَكَرَ منها مسائلها وفروعها، اتّبعَ فيها كلّها الأثرَ وبِمَا وَجَدَ من العملِ.
ومن أمّهاتِ مسائِلها أنّ المُسَاقاةَ تجوزُ في كلِّ شجرةٍ (?).
وقال الشّافعيُّ (?): لا تجوز إِلَّا في الأصولِ من النّخيل والكُروم؛ لأنّها رخصةٌ، فاقتُصِرَ بها على مَورِد النَّصِّ.
قلنا له: مهلًا عليك، إنّما وَرَدَت في النّخيل، فلم عدَّيتَها إلى الكَرْم؟ والأصلُ في كلِّ رخصةٍ في الشّريعة أنّ يكون ما في معناها لَاحِقًا بها، ممّا يُتَفَطَّنُ له قبلَ النَّظَرِ في العِلَّةِ، وقد بيَّنَّا ذلك في "أصول الفقه" وخصوصًا عندنا وعند الشّافعيّ، ولهذا قلنا: إنّه تجوزُ المساقاةُ في الثَّمرةِ بعدَ ظهورِها.