منها بواحدةٍ؛ لأنّ جهةَ الكَيلِ واحدةٌ فيها، وإنّما بَقِيَ الإشكالُ بين الطَّعمِ والقُوتِ؛ لأنّه هو المقصودُ منها، وهي أصولُ الأقواتِ، فَذَكَرَ اللهُ البُرَّ تنبيهّا على ما يُقتَاتُ في الاختيارِ والرّفاهيةِ، وذَكَرَ الشَّعيرَ تنبيهًا على ما يُقتَاتُ في حال الضّرورةِ والمَخمَصَةِ، وذكَرَ التَّمرَ تنبيهًا على ما يُقتَاتُ تَحَلِّيًا وتَفَكُّها؛ كالعَسَلِ والزّبِيبِ ونحوِهِ، وذَكَرَ الملحَ تنبيهًا على ما يُقتَاتُ لإصلاح الأَطعمةِ، والله أعلمُ.
قال الإمام: هذه الأعيانُ الأربعةُ المذكورةُ في حديث عُبَادَة بن الصَّامِت، هو حديث من أصولِ الشّريعةِ، انفردَ به عُبَادَة بن الصَّامِت، ووقع في"صحيح البخاريّ" (?) واللّفظُ لَهُ، قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "البُرُّ بِالبُرِّ رِبًا، إِلّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمرُ بِالتَّمرِ رِبًا، إِلّا هَاءَ وَهَاءَ، عَينًا بِعَينٍ".
أمّا قوله: "عَينًا بِعَينٍ" يريد مُدًّا بِمُدِّ، لا يكون غائبًا بحاضرٍ، والمعنى هو النّقدان. وقال الخطّابي: ما دام غير مسكوك فهو تبر، فهذا ضرب فهو عين (?).
قال الإمام (?): السَّلَفُ في لسان العرب اسمٌ ينطلقُ على القَرضِ وعلى السَّلَمِ (?). قال ابنُ عبّاس في الصّحيح: قدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وهم يُسلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَينِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ فَليُسْلِف فِي كيلٍ مَعلُومٍ، وَوَزنِ مَعلُومٍ، إِلَى أجَلٍ مَعلُومٍ" (?).