خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه من الكوفيَّينَ (?) الّذين يقولون: إنَّ الطَّلاقَ يَقَعُ بِمُضِىِّ المُدَّةِ من غير تَوْقِيفٍ، فَعَجِبَ مالكٌ لهم من أين تَلَقَّفُوها، وعالِمُهُم الأكبرُ، ومُفتِيْهم الأعظمُ، وهو عَلِيٌّ يخالِفُهُم فيها، وهي مسألةٌ عسيرةٌ جِدًا، اختلفَ فيها الصّحابةُ، والتَّابعون، وفقهاءُ الأمصارِ، وسبيلُ الحُجَّةِ فيها غير لائحةٍ، والخلافُ إنَّما ينشأُ فيها من آية الإيلاء، وهو قوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية (?)، بَيَّنَ فيها ثلاثةَ عَشَرَ حكمًا, من مُهمِّها ومن أعظَمِها هذا الحُكمُ؛ قال الله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) فهذا يدلُّ على وجوب فَيْئَةٍ بعد مُضِىِّ المُدَّةِ، ثمَّ قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الآية (?)، وفيه تَنَازُعٌ بين علمائِنَا، يأتي بيانُه إنَّ شاء الله.
العربيّةَ (?):
قال الإمام: الأصلُ في هذا الباب قولُه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية (?) , وفي قراءة ابنِ عبّاس: "الَّذِينَ يقسمُونَ" (?) وهو من القَسَمِ، وهو اليمينُ أيضَا.
فالإيلاء في اللُّغةِ مَصْدَرٌ، هو من آلى يولي إيلاءً، ومصدرُ كلّ فعلٍ يكونُ على أَفْعَلَ يكونُ على ضربين (?): أفعلَ يُفْعِلُ إفعالًا، تقول: أكرمَ يكرمُ إكرامًا، وهو مأخوذٌ من الألية،