ورأَى أهلُ المدينةِ أنّها معصيةٌ مُوجِبةٌ للنَّارِ، حتَّى قال بعضُهُم (?): لا يكونُ مِسَمارُ نارٍ في كتاب الله.

وقد كان من العلماء الماضين من يَرَى أنّ مجرَّدَ العَقْدِ كافٍ في التَّحليلِ، لقول الله سبحانه: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (?).

وقد بيَّنَتِ السُّنَّة ذلك التّحليل، فقال النّبي - صلّى الله عليه وسلم -: "أتُرِيدينَ أنّ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تذُوقِي الْعُسَيلَةَ" الحديث (?)، فَبَيَّنَ النَّبي - صلّى الله عليه وسلم - اشتراطَ الغَايةِ في الغايةِ؛ لأنّه قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (?) فهذه غايةٌ، وابتداءُ النِّكاحِ عَقدٌ، وغايتُه وَطءٌ، فهذه غايةٌ أخرى.

ومِن ههنا قال علماؤُنا: إنَّ البِرَّ والحِلَّ لا يكونُ إِلَّا بِأكْملِ الأشياءِ، ويقتضيه المعنى؛ لأنّه إنّما اشترط الزّوج في الطّلاق الثّلاثِ إرغامًا له؛ حيثُ اقتحمَ بَتَاتَ العصمة، والإرغامُ والمَذَلَّةُ إنّما يكون بالوطءِ لا بالعَقْدِ، حتّى يكون ذلك واعظًا لغيره ألّا يقعَ فيها، وزاجرًا له حتّى لا يعودَ إليها.

وإذا انْتَظَمَ المعنى والسُّنّةُ، لم يبقَ لأحدٍ حُجَّة، اللهمّ إِلَّا أنّه تعترضُ ههنا مسألةُ أبي حنيفةَ في نكاح المُحَلِّلِ، فلو صحّ قولُه: "لَعَنَ اللهُ المُحَلّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ" (?) لكان ذلك أصلًا في فسادِ النّكاحِ، وإذا لم تَثبُث له قَدَمٌ في الصِّحَّةِ، فلم يبقَ إِلَّا حظُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015