ويكونُ مندوبًا إليه في حقِّ من يكون مشتهيًا له، ولا يخشى على نفسه الوقوع في المحرّمِ، ولا ينقطعُ به عن أفعالِ الخيرِ والبِرِّ.
وقد يكونُ مكروهًا لمن لا يشتهِيهِ، وينقطع به عن عبادة الله وقُرُباتِه.
وقد يختلف على حسبِ هذه الأحوال، فيقالُ بالنَّدْب إليه بالظّواهرِ الواردةِ في الشَّرْع، بالتَّرغيب إليه وفيه، وقد يكون في حقّه مباحًا.
وأمّا من قال: إنّه واجبٌ، وهم أهل الظّاهر (?)، فالدّليلُ على بُطلانِ قولِهِم قولُه (?) تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية (?)، ومِلكُ اليمينِ ليس بواجبٍ بإجماعٍ، ولا يصحُّ التَّخييرُ بين واجبٍ وما ليس بواجبٍ؛ لأنّ ذلك مخرِجٌ للواجب عن الوجوب، والّذي أوقعَهُم في ذلك الظّواهرُ الواردةُ، قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (?)، وقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} الآية (?).
قالوا: فهذه أَوامرُ النِّكاحِ على الوُجوبِ.
قلنا: بل هي على النَّدْبِ والإباحةِ، والدّليل على ذلك: حضُّ النّبي - صلّى الله عليه وسلم - على النّكاحِ وترغيبُهُ، ونهيُه عن التَّبَتُّلِ -وهو تركُ النِّكاحِ- فتوجّهت إليه من الله المِدْحَةُ.
والدّليلُ على ما نَقُولُه أنّه على النّدب لا على الوُجوب: قوله (?) - صلّى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ عَلَيكُمْ بِالْبَاءَةِ، فَمَنْ لَمْ يَستَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (?) فحضَّهُم على النّكاح ونَدَبَهُم إليه، وقد كانت سُنَّة من مضَى الإقبالَ على العبادة والإنقطاعَ عن الأهل، إِلَّا أنّ محمّدًا - صلّى الله عليه وسلم - جاء بالحنِيفيّة السَّمْحَةِ، وأمر بالعبادةِ، وأَذِنَ في قضاءِ الشَّهْوةِ، حضًّا عل التّحصينِ، ورغبةً في العِفَّةِ، وقَطْعًا للعلّائق، وتَعَرُّضًا لبقاءِ العملِ والتَّبَتُّلِ إلى يوم