المسألة الأولى (?):
أمّا صفةُ الجارحِ الّذي يصحُّ الاصطياد به، فهو كُلُّ جارحٍ يمكنُ أنّ يفهم التَّعليم من ذواتِ الأربع، كالكلبِ والفهدِ والنَّمرِ، ومن الطَّير كالبازي والصَّقْر والباشق والشّاهين والشّذَانِيق (?) والعُقَاب وغير ذلك، وعلى هذا عامّة الفقهاء، وبه قال مالك وأبو حنيفة (?) والشّافعيّ، وهو مذهب ابن عبّاس.
ورُوِيَ عن ابنِ عمر ومجاهد أنّهما قالا: لا يَحِلّ إِلَّا صيد الكلب، وأمّا صيد سائر الجوارح من الطير وغيرها فلا يحلّ صيدها. وهذه وَهلَةٌ كما تقدَّم.
ثمّ أعجب من الحسن بن أبو الحسن أنّه قال: يجوزُ صيد كلّ شيءٍ إِلَّا الكلب الأسود البَهِيم، وبه قال النَّخعي وابن حنبل (?) وابن رَاهُويَة، وهذا ليس بموضع خلاف، وإنّما اختلف فيه في الصَّلاة لقوله: "الكَلْبُ الأَسوَدُ شَيطَانٌ" (?).
والدّليل على ما نقولُه، قولُه تعالى " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (?) هو عامٌّ في كلّ كلبٍ أسود وأبيض وفي كلِّ جارحٍ.
ومن جهة القياس: أنّ هذا من الجَوَارحِ المعلَّمةِ، فجازَ الاصطيادُ به كالكلب، وقد تكلّمنا عليه في أوَّل الكتابِ.
المسألة الثّانية: في صفة الكلب المعلَّم
وهو أنّ يفهم الزّجر والأشلاء، وقال رَبِيعَة: إِذا دُعِيَ الكلبُ فأجاب، وزُجِزَ عن الصَّيدِ فأطاعَ، فهو المعلَّمُ الضّاري، وأمَّا البَازِي والصَّقرُ والعقبَانُ، فإذا أُشلِيَ يأخذُ، وإذا زُجِرَ يتركُ، فهو معلَّمٌ.
وقال مالك: المعلَّمُ هو الّذي إذا أرسلتَهُ ذهبَ، وإذا دَعَوتَه أجاب وتوقَّفَ.