وهناك شروح وتفسيرات أخرى لم يعِرها ابن العربي اهتماما، وهو في شرحه تتجلّى شخصيته الموسوعية: شخصية المحدِّث المفسِّر الفقيه الأصولي المتكلِّم الداعية المربِّي الأديب. وهو يقدِّم للأحكام بمقدِّمات تتضمَّن معاني وأسرارا، قلَّما يلتفت إليها غيره.
انظر إلى كتاب القول في الدماء والقسامة، يقول رحمه الله:
"الدماء خطيرة القدر في الدين، عظيمة الرتبة عند ربِّ العالمين، وهي وإن كانت محرَّمة بالحكم والأمر، فإنها مراقة بالقضاء والحكمة، وهو الذي ضجَّت منه الملائكة، ورفعت قولها إلى الله عزَّ وجلَّ، فقالت: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30].
ثم علَّمنا الله تعالى معنى ذلك وحكمته، وهي ما بيَّناه في "الأسماء"، وذلك أن الله سبحانه، له الصفات العلى والأسماء الحسنى، وكلٌّ أسمائه وصفاته لها متعلَّق لا بد أن يكون ثابتا على حكم المتعلق، ومنها عامَّة التعلُّق، ومنها خاصَّة، فلما كان من صفاته الرحمة، أخذت جزءا من الخَلق فكان لهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ولما كان من صفاته السَّخَط، أخذت هذه الصفة جزءا من الخَلق فوجب لهم العذاب، واستحقَّت عليهم النقمة، إلى آخر تحقيق هذا الفصل في الكتاب المذكور. فلما خلق الملائكة يفعلون ما يؤمرون، ويسبَّحون الليل والنهار لا يفترون، لم يكد -لما تقدَّم بيانه له- من أن يخلق مَن تجري عليه هذه الأحكام وهو الآدمي، تجري عليه