يتقدّم له ذِكْرٌ في هذه السُّورة، فإنّه قد تقدَّمَ في سورة الدُّخان.

قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (?) ففيها أُنْزِلَ القرآن من اللّوح المحفوظ إلى السَّماء الدُّنيا، ثمّ أُنْزِلَ على النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - من السَّماء نجمًا بعد نجمٍ على قَدْرِ الحاجةِ، فكان بَيْنَ أوَّلِهِ وآخِرِهِ عشرون سنة، ورُوِيَ ذلك عن ابن عبّاس في "تَفْسِيرِهِ" (?).

فأكثر المحقِّقين من علمائنا أنّها ليلة النِّصف من شعبان، وهو باطلٌ قطعًا؛ لأنّه لا يعضده أَثَرٌ ولا خبرٌ (?)، والصحيحُ أنّها ليلة القَدْر، فيها يُفْرَقُ ما يكون في العام من أَوَّلِهِ إلى اَخره من أَرْزَاق العباد وآجالهم من الشَّقَاءِ والسَّعادة، يشهد له: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (?)، أي يحكم فيها بالموت والحياة.

وقوله (?): {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (?) معناه: التَّعَجُّب بها والتَّعظيم لها، وما كان في القرآن من قوله: "وما أدراك" فقد أدراه، وما كان فيه من قوله: "وما يُدرِيكَ" فلم يدره، وقال الفرّاء (?) وسفيان بن عُيَيْنَة وغيرهما ذلك، والله أعلمُ.

وأمّا قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (?) ففي تأويل ذلك اختلاف على ثلاثة أقوال.

القول الأوّل - قيل: إنّ معنى ذلك أنَّ العمل بما يُرْضِي الله في تلك اللَّيلة من صلاة وغيرها خيرٌ من العمل في غيرها ألف شهر.

القول الثَّاني - قيل: إنَّ المعنى أنَّ العمل في ليلة القَدْرِ خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القَدر، وهو نحو ما تقدَّم؛ لأنّ فضيلةَ اللَّيلة على ما سواها ليس بمعنىً يختصُّ بها، حَاشَا تضعيف الحسنات فيها.

القول الثّالث - قيل: إنّه كان في بني إسرائيل رجلٌ يقومُ اللَّيل ويصومُ النّهار، ففعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015