الفائدةُ الثّانية: في السِّواك للصّائم

وهو عندنا جائزٌ في سائر النّهار، خلافًا للشّافعىّ؛ لاْنّه يُجَوِّزُه في أوَّل النَّهارِ ولا يُجَوِّزه في آخره. واحتج بأنْ قال: السِّواكُ في آخر النَّهار يُذْهِب الخَلُوفَ، وقد مدح عليها شَرْعًا، فلا تجوز إزالتها كدَمِ الشَّهِيدِ.

ووجه الرَدِّ عليه: أنّ الخَلُوفَ في الجَوْفِ لا في الفَمِ، وما كان من الجَوْفِ لا يُزيلُهُ السِّواك.

وأمّا السِّواك الرَّطبُ فغير جائزٍ باتِّفَاقٍ منَّا؛ لأنّه طيبٌ وذوق ومائِعٌ وإنّه لا يجوز أنّ يُعَبَّر بالفَضْل عن الفضيلة، ومعنى ذلك أنّ يجعله الصّائم باختيارٍ في فيه، فيكون حينئذٍ عندنا على ضربين: مكروهٌ، ومباحٌ. فالمكروه الرطب، والمباحُ اليابس. وقد بيَّنَّاهُ بأبْدَعِ بيانٍ في كتابِ الطّهارة من هذا الكتاب فلننظر هنالك.

حديث: قوله "الصَّوم لي" قيَّدنا فيه عن علمائنا سبعة أوجه (?):

الأوَّلُ: اْضافه اللهُ (?) تشريفًا وتخصيصًا، كإضافة الكَعْبَةِ والمَسَاجِدِ على شرف سائر البقاع (?).

الوجه الثّاني: أنّه أراد بقوله: "الصَّوْمُ لِي" الصَّوم لا يعلمه أحدٌ غيري؛ لأنّ كلَّ طاعةٍ لا يقدر المرء أنّ يُخْفِيها، وإن أخفاها عن النّاس لم يخفها عن الملائكة، والصَّومُ يمكنه أنّ ينويه ولا يَعْلَمُ به مَلَكٌ ولا بَشَرٌ.

الوجه الثّالث: أنّ المعنى الصَّومُ صِفَتِىِ؛ لأنّ الباري تعالى لا يطعم، فمن فَضَّل الصِّيام على سائر الأعمال؛ فلأن العبدَ يكون فيه على صِفَةٍ من صفاتِ الرَّبِّ، وليس ذلك في أعمال الجوارح إلّا في الصَّوْمِ. فأما في أعمال القلوب، فيكون ذلك كثيرًا، كالعلم والكلام والإرادة.

الوجه الرّابع: أنّ المعنى بالصّوم لي، أي من صفة ملائكتي؟ لأنّ العبد في حالة الصَّوْمِ ملكٌ؛ لأنّه يذكر ولا يأكل، يمتثل العبادة ولا يقضي (?) شهوته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015