وغَلطَ الشّافعيّ في النَّفْلِ، فقال: إنّه يجزئه بنِيَّتِهِ من النّهار، وتَابَعَهُ على هذا الغَلَط أبو حنيفة، وزاد بأنْ قَاسَ الفَرْضَ عليه بأن قال: ويجوز أيضًا صوم رمضان بنيَّةٍ من النّهار. والّذي أوقعهم في هذا الخلاف الحديث المشهور؛ أنّ النَّبِيَّ - صلّى الله عليه وسلم - دخل بيته فقال: "هَلْ عِنْدَكم مِن طَعَامٍ؟ فَقَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ" (?) قالوا: ولم يكن طلبه للطّعام عَبَثًا، وإنّما كان ليأكل، فلمّا لم يجده نوى الصوم.
الجواب - قلنا: وفي أيِّ وقت كان هذا من النّهار، ولعلّه كان بعد الظُّهر وأنتم لا تقولون به، فليس لكم على هذا الحديث حُجّة، ونحن نقول: إنّه نوى الصِّيام لَيْلًا، وطلبُ الطّعام على أصلكم لا يضرّ؛ لأنّ التَطَوُّع عندكم لا يلزم التّمادي فيه، فقد خرج الحديث عن أيديكم من كلِّ وجهٍ.
المسألة الرّابعة:
والذي عليه المذهب (?)؛ أنّ صيام شهر رمضان يجزئ بنِيَّةٍ واحدةٍ في أَوَّلِهِ، وبه قال أحمد.
وقال أبو حنيفة: ينوي النِّيَّة كلّ ليلةٍ (?)؛ لأنّ اليوم الثّاني صوم يوم واجب فافتقرَ إلى نيَّةٍ كالأَوَّلِ.
ودليلُنا: قولُ النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى" وهذا قد نَوَى الشَّهر كلَّه فوجب أنّ يجزئه. ولأنّ رمضان عبادة تجب في العام مَرَّةً واحدة، فاكتفي فيه بنية واحدةٍ كالزَّكَاةِ.
المسألة الخامسة (?):
قال: وكذلك كلُّ من نَوَى صومًا مُتَتَابِعًا بنَذْرٍ أو كفَّارَةٍ، أو كان شأنّه سَرْد الصِّيام، أو رَجُل عادته صوم الاثنين والخميس، فإنّه يكتفى في ذلك بنيَّةٍ واحدة (?)؛ لأنّ ذلك