ومن قال: إنّ الصَّومَ كان ثلاثة أيام في كلِّ شهر، فقد أَبْعَدَ؛ لأنّه حديثٌ ليس له أصلٌ في الصِّحَّةِ، فلا يُعَوَّلُ عليه.
الآية الثّانية: قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ} (?) هو تفسيرٌ لقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}.
وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ} (?) يعني هلال رمضان، وإنَّما سُمِّيَ شهرًا لشُهْرَتِهِ، فَفَرَضَ اللهُ سبحانه علينا الصَّوْمَ عند رؤية الهلال (?)، وهذا قول النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -: "صُومُوا لِرُؤْيتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ ... " الحديث (?)، وثبتَ عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - من طريقٍ آخر أنّه قال: "لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ" (?)، وروى التّرمذي (?)، عن أبي هريرة عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "أَحْصُوا هِلاَلَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ".
وقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...} الآية (?)، فهو محمولٌ على العادَةِ بمشاهدة (?) الشّهر، وهي رؤية الهلال.
وقد قيل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهو مقيمٌ، ثمّ سافر لَزِمَه الصَّومُ في بَقِيَّتِه، قاله ابنُ عبّاس وعائشة.
وقيل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فَلْيَصُم منه ما شَهِدَ، ولْيُفْطِرْ ما سافر.
قال علماؤنا: إذا صام في المِصْرِ، ثمّ سافر في أثناء اليوم لَزِمَهُ إكمالُ الصَّومِ، فلو أَفْطَرَ في البلد فلا كفَّارةَ عليه؛ لأنَّ السَّفَر عُذْرٌ طَرَأَ عليه، فكان كالمريضِ يطرأُ عليه المرضُ، ويخالفُ المرض والحَيْض؛ لأنّ المريضَ يُباحُ له الفِطْر، والحائضَ يَحْرُمُ عليها الصّوم، والسّفر لا يُبيحُ له ذلك، فَوَجَبَتْ عليه الكفّارة لهَتْكِ حُرْمَتِهِ.