كثيرة. وأمّا الطّهارة فقدله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (?) يعني طاهرة لم تكسب الذنّوب. وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (?) يريد تَطَهَّرَ، والطّهارة أقعد بها من النَّمَاءِ، وإن كانا جميعًا فيها (?) لتمكّن المعنى بينهما لُغَة، ولقَصْدِ (?) الحديث لها نَصًّا، قال النبيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: في صَدَقَةِ الفطر من حديث ابن عبّاس إلى قوله فيها: "طُهْرَةٌ لِصِيَامِكُم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ " خرّجه أبو داود (?).
والصَّدَقَةُ طُهْرَة للمالِ، فالصَّدَقَةُ اسمٌ للزّكاة ولكلِّ ما أُعْطِي خشيةً لله تعالى. واشتقاقُها من الصِّدق، وأصلُه استواء القول ظاهرًا وباطنًا، لسانًا وجنانًا، أوَّلًا وآخِرًا، حتّى استعمل في المواضع، قال الله تعالى: {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (?) وقالت العرب: رمح صَدَق، وقالوا: أخَ صِدْقٍ، وذلك لعموم الاستواء والحُسْنِ في جميع ذلك (?) من الوجوه الّتي بيَّنَّاها. وقالوا في مبالغة الفعل للفاعل فيه: صدِّيق، فإذا دفع الزَّكاة فقد صدق في اعتقاده بما ظهر من فِعْلِهِ، وقد ظهرَ الصَّدق في وفاءِ الله بعَهْدِهِ، على ما يأتي بَيَانُه، وإن أفاضَ المال في سبيل الخير فقد زاد صِدْقه في دِيِنه.
حكمةٌ وحقيقةٌ وتوحيدٌ (?):
وذلك أنّ الله -وله الحمد- أنعمَ على العبد نعمتين: نعمة في البَدَنِ، وجعلَ شكرَها العبادات البَدَنِيَّة كالصوم والصّلاة. وأنعم أيضًا بنعمةِ المال، وجعلَ شكرها أداء الزّكاة، فإذا قامَ العبدُ بالعبادات البَدَنِيَّة فقد أدَّى نعمةَ اللهِ فيها، وإذا أدّى الصَّدَقَة، فقد أدَّى نعمةَ الله عليه في المال، فصارت قسمين: زكاة أموال، وزكاة أبدان.
وأمّا التّوحيد والحكمة، فإن الله بفضله ضمنَ الرِّزْقَ لعباده فقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (?) ثم خَلقَ الرِّزقَ والقُوتَ في الأرض، فخصَّ بإرادته