وقد كان هو وعلىّ هَمّا أنّ يترهَّبَا، ويَتْرُكَا النِّساءَ، ويقبلَا على العبادة، ويحرِّما طيب الطّعام على أنفسهما، فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} (?) ذَكَرَ معمر وغيره عن قتادة؛ أنّه قال (?): نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه - وفي عثمان بن مظعون، وذلك أنّهما أرادا أنّ يَتَخَلَّيَا من الدُّنيا ويتْرُكَا النِّساءَ ويَتَرَهَّبَا.

وذكر ابن جُرَيْج عن عِكرِمَة؛ أنّ عليّ بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون، وابن مسعود، والمقداد بن عمرو وسالمًا مَوْلَى أبي حُذَيْفَة، تَبَتَّلُوا وجلسوا في البيوت، واعتزلوا النِّساء، ولبسوا المُسُوح، وحرَّمُوا الطَّيِّبات من الأطعمة واللِّباس، وهَمُّوا بالخِصَاءِ وأَدْمَنُوا القيام باللَّيل والصِّيام بالنّهار، فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} (?) يعني: الطَّعام واللِّباس.

الفائدةُ الثّانية (?):

في هذا الحديث من الفقه: إباحة الثَّناءِ على المرءِ بما فيه من الأعمال الزّاكية. وفيه مدح الزُّهد في الدُّنيا والتَّقَلُّل منها، وفي ذلك ذمُّ الرَّغْبَةِ فيها والاستكثار منها. وسيأتي في كتاب الجامع كيفية الزُّهد والتَّزَهُّد، وما حقيقة الزُّهد والتَّزَهُّد فيه بأبدع بيان إنّ شاء الله.

الفائدةُ الثّالثة:

وفيه في الصحيحين: "البخاريّ" (?) و"مسلم" (?) من حديث أنس بن مالكٌ؛ أنّه مُرَّ بجنازةٍ فأَثنَوا خَيْرًا، فقال النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: "وَجَبَت" قَالُوا: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْجَنَّةُ، أَنْتُم شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرْضِ"، وَمُرَّ بِأُخرَى فَأَثنَوْا شَرًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ: "وَجَبَتْ" قَالُوا: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "النَّارُ، أَنْتُم شُهَدَاءُ شُهُودُ اللهِ في الأَرْضِ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015