وقال مالك وأبو حنيفة: يسجد عند قوله: {الْعَظِيمِ} (?) الّذي فيه تمام الكلام، وهذا قَوِيٌّ.

وأمّا سجدة "ص" فهي عند الشّافعيّ سجدة شُكْر، وليست عنده من عزائم السُّجود. وقد خرج البخاريّ (?) والتّرمذيّ (?) عن ابن عبّاس؛ أنّه قال: سَجْدَةُ "ص" ليست من عزائِمِ السُّجودِ، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - يسجدُ فيها.

قال مالك: هذا قولُ ابن عبّاس وهي عزيمةٌ؛ لأنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - أُمر أنّ يَعْتَدِيَ بهداهم قال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (?).

وروى أبو داود (?) عن أبي سعيد الخدري؛ أنَّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قرأ سورة "ص" وهو على المِنْبَرِ، فلمّا بلغَ السَّجْدَة نزلَ وسجدَ وسَجَدَ النَّاس، فلمّا كان يوم آخر قرأَهَا، فلمّا بلغَ السَّجْدَةَ، أَشَارَ النَّاسُ إلى السُّجود، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: إنّما هي توبةُ نبيٍّ، ولكنِّي رأيتُكُم قد أَشَرْتُم للسِّجُودِ، فنزلَ فَسَجَدَ وسَجَدُوا.

وأمّا السَّجْدَة فيها، فعند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (?) لأنّه تمام الكلام وموضع الخضوع والإنابة.

وقال الشّافعيُّ: يسجد عند قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} (?) لأنّه خبرٌ عن التَّوبَةِ.

والأوَّلُ أَوْلَى بالصَّواب، رجاءَ الاقتداءِ بالاهتداء، والمغفرة بالامتثال، كما غفر لمن سبق من الأنبياء.

نكتةٌ صوفيَّةٌ:

قال الإمام: وقد كان قومٌ من المتصَوَّفة إذا سجدوا في سورة "ص" يقولون: اللهُمَّ تَقَبَّلْ كما تقبَّلْتَ من داود، وتُبْ علينا كما تُبْتَ على داود، ففي هذا طلب القَبُول في مثل ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015