ومنهم (?) فرق يقولون: إنّ الله لا شيءَ (?)، ولا في شيءٍ، ولا يقع عليه صفة (?) شيءٍ، ولا معرفة شيءٍ، ولا تَوَهّم شيءٍ (?).
قال (?): وجاء رجل إلى بِشْر المريسيّ (?) فقال له كلامًا لا أحفظه عليه، فقال بِشْر: توَهَّمْ صحراء فيها نخلة لا شرقيّة ولا غربيّة، لا في الأرض ولا في السّماء، فكذلك الله تعالى. فقال العبّاس بن محمّد: هذا هو الكُفْر بعَيْنهِ، وإنّما تدور على (?) التّعطيل المحْض، فقال له الرَّجُل: يا بشر، هذا - والله- هو العَدَم، فقالَ: نعْم، الجهلُ به هو (?) المعرفة.
قال القاضي - رضي الله عنه -: وهم أكثر من أنّ يقف على أخبارهم وأسرارهم، فلهذا وغيره قال - صلّى الله عليه وسلم -: "تفترقُ أُمَّتِي عَلى اثْنَيْنِ وَسَبْعينَ فِرْقَةٍ، كلُّها في النّار إلَّا النّاجية، قيل من الناجية يا رسول الله؟ قال: ما كُنْتُ عَلَيه أَنَا وَأَصْحَابِي" (?).
والأصل في ذلك الزِّنادقة، ولا يقال لكلِّ منَ وحَّدَ الله تعالى وأَقَرَّ بالصّانع زنديقٌ، وإنّما يقع اسم الزِّنديق على المُعَطِّل الّذي لا يُقرّ بالصّانع، ويزعم أنّ النّاس يتكوَّنُونَ من غير خالقٍ لهم، ولا مبدىء لهم ولا معيد، وأنّ البارئ تعالى قد فرغ من جميع الأشياء، لا يُحْدِثُ شيئًا وإنّما تصدرُ عنه الحادثات، وإنّما هم قوم تَعَبَّدُوا بغير عِلْم، فكان علمُهُم وعبادَتُهم هَباءً منثورًا. فهذا رأيتَ مجتهدًا عابدًا فأعرض عَمَلَهُ على العِلْمِ، فإن وافَقَهُ وإلّا كان عمَله هبَاءً منثورًا، وتعدادُهم هم يطولُ به الكتاب، فاقتصرنا على هذه النُّبْذَة لنَكْشِفَ لكم عن أسرارهم.