أن يلتزم بهذه التسمية المُحدَثة. وأنا معه في هذا التوجُّه، فقد كان علماؤنا الكبار من المحدِّثين والمفسِّرين والفقهاء والأصولين وغيرهم، يقرؤون كتب مَن قبلهم، ويعتمدونها، ولا يسمُّون هذا "تحقيقا"، بل قراءة وتصحيحا واعتمادا. وظلَّ هذا سائدا إلى عصر الطباعة، فكانت مطبعة "بولاق" الشهيرة تخرج كنوز كتب التراث، ويقرؤها علماء معتبرون ويصحِّحونها، وقليلا ما كانوا يذكرون اختلاف بعض النسخ عن بعض، إذا وجدوا في ذلك فائدة علمية لها قيمة. وصدرت مئات الكتب ممهورة باعتماد هؤلاء "المصحِّحين" الأعلام، الذين اكتسبوا ثقة سائر علماء الأمة، مما شاهد الجميع من تحرِّيهم وإتقانهم، وإشرافهم على طبعات لأعداد هائلة من الكتب التي ظهرت مصونة من الأغلاط والتحريف والتصحيف، وكثيرا ما ظهر عملهم، واختفت أسماؤهم!
ثم ظهر هذا المصطلح الجديد "التحقيق" وشاع، وقَبله جمهور العلماء، ولابأس بذلك إذا عُرِف الصطلح على وجه الدقَّة، فقد قال علماؤنا: لا مُشاحَّة في الاصطلاح.
المهم هنا أن يتولَّى هذا الأمر مَن يحسنه، ويملك مؤهِّلاته، وأن يعطيه حقَّه من الوقت والجهد والفكر، حتى يخرج على الوجه المرضيِّ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب الإحسان على كلِّ شيء"،