وأمَّا قَوْلُهُ: لو كانت "التَّحِيَّاتُ لله" في معنى "المُلْكُ لله" لَقِيلَ: التَّحِيَّةُ للهِ كما يُقال: المُلْكُ للهِ. ولم يُسْمَعْ الأَمْلاكُ لله، فإنَّ الذي يَلْزَمُهُ في تفسيرِ التَّحِيَّةِ للهِ إذا كانتْ بمعنى السلامةِ مِثْلُهُ، ولكنْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ لا يُقالُ: السلاماتُ للهِ. وَلَوْ كانَ أُريدَ ذلك لكانَ يَنْبَغي أنْ يُقالَ: التَّحِيَّةُ للهِ.
والذي عندي أَنَّهُ إِنَّما قيلَ: التَّحِيَّاتُ للهِ على الجميعِ لِأَنَّهُ كان في الأرضِ مُلوكٌ يُحَيَّوْنَ بتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُقالُ لِبَعْضِهِمْ: أَبَيتَ اللَّعْنَ، ويقالُ لِبَعْضِهِمْ: أنْعِمْ صَباحًا، ويقالُ لِبَعْضِهِمْ: اسْلَمْ وانْعَمْ. وكانت العَجَمُ تَقولُ لمُلوكِها: عِشْ ألفَ سنةٍ: زِهْ هَزَارْ سَالْ نَوْرُوْزْخَرْ (?). ولذلك قال الله جَلَّ وعَزَّ: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} (?). وقيلَ لنا: قُولُوا في التَّشَهُّدِ: التَّحِياتُ لله، أَي هذهِ الألفاظُ الَتي تَدُلُّ على المُلْك، ويكْنى عَن المُلْكِ بها هي للهِ يُراد: هذه المَمالِكُ لله. ولَوْ أَنَّ قائِلًا قالَ في اللهِ عزَّ وجلَّ: مالكُ الأَمْلاكِ يُرادُ مالكُ ما تَمْلِكُهُ المُلوكُ كان ذلك حَسَنًا كما يُقالُ: مَلِكُ المُلوك، وسَيِّدُ السادة، وإِلَهُ الآلِهَة، وكذلك له الأملاكُ يُرادُ له أَمْلاكُ المُلوكِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ في التَّحِيَّاتِ لله إِنَّها بمعنى السَّلامِ أو السلامةِ فإنَّهُ يَبْعُدُ ألا ترى أَنَّهُ لا يُقالُ: السَّلامُ لله، ولا السَّلامُ عَلى الله، ولا السَّلامَةُ لله، وإنَّما يَكونُ السَّلامُ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ على عبادِهِ يُقال: أنت السَّلامُ، ومنكَ السَّلامُ، وحَيِّنا رَبُّنا منك بالسَّلامَ.
وقد احْتَجَّ لهذا التَّأْوِيلِ بحديثٍ هُوَ لَهُ أَلْزَمُ، وَنَحْنُ بِهِ راضُونَ قال: رَوَى