عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَلَمّا أَعْلَمَهُ اللهُ أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا العِجْلَ، فَلَمْ يُلْقِ الأَلْواحَ، فَلَمَّا عَايَنَهُمْ عَاكِفِينَ غَضِبَ، وأَلْقَى الأَلْواحَ حَتَّى انْكَسَرَتْ. وكذلك المُؤْمِنُونَ بِالقِيامَة، والبَعْث، وَالْجَنَّة، والنَّارِ مُسْتَيْقِنُونَ أَنَّ ذلك كُلَّهُ حَقٌّ، وَهُمْ في القِيامَةِ عِنْدَ النَّظَر، والعِيانِ أَعْلى يَقينًا، فأرادَ إِبْراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بالنَّظَرِ الذي هُوَ أَعْلَى اليَقينِ.
• وأمَّا قَوْلُهُ: "رَحِمَ اللهُ لُوطًا إِنْ كانَ لَيَأْوِي إلى رُكْنٍ شَديدٍ" فإِنّه أَرادَ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (?) يُريدُ سَهْوَهُ في هذا الوَقْتِ الذي ضَاقَ فيه صَدْرُهُ، واشْتَدَّ جَزَعُهُ بما دَهِمَهُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى قال: {أَو آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} وَهُوَ يَأْوِي إلى اللهِ - جَلَّ وَعَزَّ - أَشَدِّ الأَرْكانِ قالوا: فَمَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا بَعْد لُوْطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إلّا في ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ.
• وأَمَّا قَوْلُه: "لَوْ دُعِيْتُ إِلى ما دُعِيَ إِلَيْهِ يُوسُفُ لأجَبْتُ" يُرِيْدُ حِيْنَ دُعِيَ للإِطْلاقِ مِن الحَبْسِ بَعْدَ الغَنِّم الطَّوِيل، فَقَالَ للرَّسُولِ: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (?)، ولم يَخْرُجْ مِن الحَبْسِ في وَقْتِهِ يَصِفُهُ بالأَناةِ، والصَّبْر، وَقالَ: لو كُنْتُ مَكانَهُ، وَدُعِيْتُ إلى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِن الخُروجِ مِن الحَبْسِ لأَجَبْتُ، وَلَمْ أَتَلَبَّثْ. وهذا أَيْضًا جِنْسٌ مِنْ تَواضُعِهِ - صلى الله عليه وسلم - لا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ كانَ مَكَانَ يُوسُفَ، فَبَادَرَ، وَخَرَجَ، أَو على يُوسُفَ - صلى الله عليه وسلم -، لَوْ خَرَجَ مِن الحَبْسِ مَعَ الرَّسُول، نَقْصٌ، ولا إِثْمٌ، وإِنما أَرَاْدَ أَنَّهُ لم يَكُنْ يَسْتَثْقِلُ مِحْنَةَ اللهِ لَهُ، فَيُبَادِرُ، ويَتَعَجَّلُ، ولكنّهُ كَانَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا (?).