تَعَالَى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَآخِذِ اخْتِلَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ نُثْبِتَ مَا أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَنَنْفِيَ مَا نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَاللَّفْظُ الْمُجْمَلُ الَّذِي لَمْ يَرِدْ به الْكِتَاب وَالسُّنَّة لَا يُطْلَقُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ بِهِ (كَمَا إذَا قَالَ الْقَائِلُ): الرَّبُّ مُتَحَيِّزٌ، أَوْ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ، أَوْ هُوَ فِي جِهَةٍ، أَوْ هو فِي غير جِهَةٍ. قِيلَ: هَذِهِ أَلْفَاظ مُجْمَلَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، وَلَا نطق أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ بِإِثْبَاتِهَا وَلَا نَفْيِهَا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُك بِقَوْلِك إنَّهُ متحيز، أنه مُحِيط بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أو يفتقر إليها، فالله تعالى غني عن كل شيءٍ لا يفتقر إلى العرش ولا إلى غيره من المخلوقات، بل هُوَ بِقُدْرَتِهِ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَحَمَلَتَهُ، وكذلك هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى الْكَبِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مُتَحَيِّزًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُك بأَنَّهُ بَائِنٌ عَنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَلي عَلَيْهَا فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ فوق سماواته على عرشه بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ، مِثْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْه وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَعْلَامِ الْإِسْلَامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015