بين ارتفاع وانخفاض وفتر سوقه، ودخل في مسالك كبار لا تحتملها عقول أبناء زمانه ولا / علومهم، كمسألة التكفير في الحلف في الطلاق، ومسألة أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، وأن الطلاق في الحيض لا يقع، وصنف في ذلك تواليف لعلها تبلغ أربعين كراسًا، فمُنع لذلك من الفتيا، وساس نفسه سياسة عجيبة، واستبد برأيه، وعسى أن يكون ذلك كفار له، فالله يؤيده بروحٍ منه ويوفقه لمراضيه.
وهو الآن يُلقي الدرس، ويُقرئ العلم، ولا يُفتي إلا بلسانه، ويقول: لا يسعني أن أكتم العلم. وله شهامة وقوة نفسٍ توقعه في أمورٍ صعبةٍ، ويدفع الله عنه، وله نظمٌ قليلٌ وسطٌ، ولم يتزوج ولا تسرى، ولا له من المعلوم إلا شيء قليل، وإخوة تقوم بمصالحه، ولا يطلب منهم غداءً ولا عشاءً في غالب الوقت. وما رأيت في العالم أكرم منه ولا أفرغ منه عن الدنيا والدرهم، بل لا يذكره، ولا أظنه يدور في ذهنه، وفيه مروءةٌ وقيامٌ مع أصحابه وسعيٌ في مصالحهم، وهو لونٌ عجيبٌ، ونبأٌ غريبٌ.
وهذا / الذي ذكرت من سيرته فعلى الاقتصاد، وإلا فحوله أُناسٌ من الفضلاء يعتقدون فيه وفي علمه وزهده ودينه وقيامه في نصر الإسلام بكل طريقٍ أضعاف ما سُقت، وثَمَّ أُناس من أضداده يعتقدون فيه وفي علمه، لكن يقولون: فيه طيشٌ وعجلةٌ وحدَّةٌ ومحبةٌ للرياسة، وثَمَّ أُناسٌ - قد علم الناس قلة خيرهم وكثرة هواهم - ينالون منه سبًّا وكفرًا، وهم إما متكلمون، أو من صوفية الاتحادية، أو من شيوخ الزركرة، أو ممن قد تكلم هو فيهم فأقذع وبالغ، فالله يكفيه شر نفسه، وغالب حطه على الفضلاء أو المتزهدة فبحقٍّ، وفي بعضه هو مجتهد.
ومذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يُكفِّر أحدًا إلا بعد قيام الدليل والحجة عليه، ويقول: هذه المقالة كفرٌ وضلالٌ، وصاحبها مجتهدٌ جاهلٌ لم تقم عليه حجة الله، ولعله رجع عنها أو تاب إلى الله. ويقول: إيمانه ثبت له فلا نخرجه منه إلا بيقين، أما من عرف / الحق [وعانده] وحاد عنه فكافرٌ ملعونٌ كإبليس، وإلا من الذي