قد سل جسمي وقد أودى به سقم ... من أجل حيّ خلوا عن بلده الحرم
يحن قلبي إليها حين أذكرها ... وما تذكرت شوقاً آب من أمم
ألا حنيناً إليها رشأ ... كالشمس رود ثقال سهلة الشيم
فضلها الله رب الناس إذ خلقت ... على النساء من أهل الحزم والكرم
وقال فيها الشعراء فأكثروا، وغنى في أشعارهم المغنون من أهل مكة والمدينة، وبلغ ذلك يزيد فأستشنعه فقال: هذا قبل حلتنا وقد هممنا فكيف لو إرتحلنا وتذكر لقوم شدة الفراق، وبلغه أيضاً أن سليمان قد تكلم في ذلك فردها ولم تزل في قلبه حتى ملّك فأشرتها سعدة امرأته العثمانية ووهبتها له: أخبرني إبن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق قال: حدثني أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك عن مروان بن بشر أبي سارة مولى الوليد بن يزيد قال: لما إرتفعت منزلة حبابة عند يزيد أقبل يوماً إلى البيت الذي هي فيه فقام من وراء الستر فسمعها ترنم وتغني وتقول:
كن لي يا يزيد حبك حيناً ... كاد يقضي عليّ لما إلتقينا
والشعر كان يا سقير فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار فعلم أنها لم تعلم به ولم يكن ذاك لمكانه فألقى نفسه عليها وحرّكت منه.
قال المدائني: غلبت حبابة على يزيد وتبنى بها عمر بن هبيرة فعلت منزلته حتى كان يدخل على يزيد في أي وقت شاء، وحسد ناس من بني أمية مسلمة بن عبد الملك على ولايته وقدحوا فيه عند يزيد وقالوا أن مسلمة إن إقتطع الخراج لم يحسن يا أمير المؤمنين أن يعيشه وأن يستكشف عن شيء لسنه وخفته، وقد علمت أن أمير المؤمنين لم يدخل أحداً من أهل بيته في الخراج فوقر ذلك في قلب يزيد وعزم على عزله وعمل إبن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة عملت له في ذلك وكان بين إبن هبيرة وبين القعقعاع بن خالد عداوة وكانا يتنازعان ويتحاسدان فقيل للقعقاع: لقد نزل إبن هبيرة من أمير المؤمنين منزلة أنه لصاحب العراق غدا، فقال: ومن يطيق إبن هبيرة حبابة بالليل وهداياه بالنهار مع أنه مع أنه وإن بلغ فإنه رجل من بني سكين فلم تزل حبابة تفعل له في العراق حتى وليها.
حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: سمعت إسحق بن إبراهيم يحدث بهذا الحديث فحفظته ولم أحفظ إسناده.
وحدثنا محمد بن خلف وكيع قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثنا مصعب الزبيري عن مصعب بن عثمان وقد جمعت روايتيهما قالا: أراد يزيد بن عبد الملك أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز وقال: بماذا صار عمر ارجى لربه جلّ وعزمتي فشق ذلك على حبابة فأرسلت إلى الأحوص، هكذا في رواية وكيع، وأما عمر بن شبة فإنه ذكر أن مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشرب وقال له إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله وقد تشاغلت بهذه الأمة عن النظر في الأمور والوفود ببابك، وأصحاب الظلامات يصيحون وأنت غافل عنهم، فقال: صدقت والله وأعتبه وهمّ بترك الشرب ولم يدخل على حبابة أياماً، فدسّت حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتاً في ذلك وقالت له إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار، فدخل الأحوص إلى يزيد فأستأذنه في الإنشاد فأذن له.
قال إسحق في خبره فقال الأحوص:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا
بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
وإني وإن فندت في طلب الغنى ... لأعلم أني لست في الحب أوحدا
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى ... فكن جراً من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا