فلما إشتد ما بعبد الله بن العجلان من السقم خرج سراً من أبيه مخاطراً بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشر والتراث حتى نزل بني نمير وقصد خباء هند، فلما قارب دارها وهي جالسة على الحوض وزوجها يسقي ويذود الإبل عن مائه فلما نظر إليها ونظرت إليه رمى بنفسه عن بعيره وأقبل يشتد إليها وأقبلت تشتدّ عليه فأعتنق كل واحد منهما صاحبه وجعلا يبكيان وينشجان ويشهقان حتى سقطا على وجوههما، وأقبل زوج هند ينظر ما حالهما فوجدهما ميتين.

قال أبو عمرو: واخبرني بعض بني نهد أن عبد الله بن العجلان أراد المضي إلى بلادهم فمنعه أبوه وخوّفه الثارات وقال لهم: نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة، ولم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت فحج وحج أبوه معه، فنظر إلى زوج هند وهو يطوف بالبيت وأثر كفها في ثوبه بخلوق، فرجع إلى أبيه في منزله وأخبره بما رأى ثم سقط على وجهه فمات.

هذه رواية أبي عمرو.

وقد أخبرني محمد بن خلف بن وكيع قال: حدثني عبد الله بن الحسن قال: حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب عن إبن سيرين قال: خرج عبد الله بن العجلان في الجاهلية فقال:

ألا أن هند أصبحت منك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتها حما

وأصبحت كالمغمور جفن سرحه ... بقلب بالكفين قوساً وأسهما

ثم مدّ بها صوته فمات.

قال إبن سيرين: فما سمعت أن أحداً مات عشقاً غير هذا، وهذا الخبر عندي خطأ لأن أكثر الرواة يروي هذين البيتين لمسافر بن أبي عمرو بن أمية قاله لما خرج إلى النعمان بن المنذر يستعينه في مهر هند بنت عتبة بن ربيعة فقدم أبو سفيان بن حرب فسأله عن أخبار مكة وهل حدث بعده شيء فقال لا، إلا إني تزوجت هنداً بنت عتبة فمات مسافر أسفاً عليها، ويدل على صحة ذلك قوله: وأصبحت من أدنى حموءتها حما، لأنه لأبي عتم أبي سفيان بن حرب وليس النميري المتزوج هند الزيدية إبن عم عبد الله بن العجلان فيكون من أحمائها والقول الأول على هذا أصح.

ومن مختار ما قاله إبن عجلان في هند:

ألا أبلغا هنداً سلامي فإن نأت ... فقلبي مذ شطت بها الدار مدنف

ولم أرَ هنداً بعد موقف ساعة ... بأنعم من أهل الديار تطوف

أتت بين أتراب تمايس إذ مشت ... دبيب القطا أو هنّ منهن أقطف

بياكرن مرّات جلياً وتارة ... ذكياً وبالأيدي مذاك ومسوف

اشار إلينا في خفاة وراءها ... سراة الضحى مني على الحي موقف

وقالت تباعد يا إبن عمي فإنني ... منيت بذي صول يغار ويغنف

أخبرني احسن بن علي قال: أنشدنا فضل اليزيدي عن إسحق لعبد الله بن العجلان النهدي. قال إسحق وفيه غناء:

خليليّ زوروا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار لطف بعدا

ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة ... أغياً يلاقي في التعجل أم رشدا

ومرّا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا

وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا

* * *

أخبار حبابة

كانت حبابة مولدة من مولدات المدينة لرجل من أهلها يعرف بإبن مّانة، وقل إبن مينا وهو خرجها وأدبها وقيل بل كانت لآل لاحق المكيين وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة العود وأخذت الغناء عن إبن سريج وإبن محرر ومالك ومعبد وعن جميلة وعزة الميلاء وكانت تسمى العالية فسماها يزيد لما إشتراها حبابة، وقيل أنها كانت لرجل يعرف بإبن مينا.

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني حاتم إبن قبيصة قال: وكانت حبابة لرجل يدعى إبن مينا فأخلت على يزيد بن عبد الملك في إزار له ذنبان وبيدها دف ترمي به وتتلقاه وتتغنى:

ما أحسن الجيد من مليكة ... واللبات إذ زانها ترائبها

يا ليتني ليلة إذا هجع ... الناس ونام الكلاب صاحبها

في ليلة لا يرى بها أحد ... يسعى علينا إلا كواكبها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015