المرقص ما كان مخترعاً أو مولداً يكاد يلحق بطبقة الإختراع، لما يوجد فيه من السير الذي يمكن أزمة القلوب من يديه، ويلقى منها محبة عليه وذلك راجع إلى الذوق والحس مغن بالإشارة، عن العبارة، كقول إمريء القيس في القدماء:
سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال
وكقول وضاح اليمن:
قالت لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع السامر
وأسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا آمر
وكقول إبن حمديس الصقلي في المتأخرين:
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح
وقول أبي جعفر بن طلحة زير إبن هود سلطان الإندلس وكاتبه:
والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكؤس الشقيق
والمطرب: ما نقص فيه الغوص من درجة الإختراع إلا أن فيه مسحة من الإبتداع كقول زهير في المتقدمين:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك نعطيه الذي أنت سائله
وقول حبيب في المتأخرين:
ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجياد بها فليتق الله سائله
والمقبول: ما كان عليه طلاوة مما لا يكون فيه غرض على تشبيه وتمثيل وما أشبه ذلك كقول طرفة في المتقدمين:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وقول إبن شرف في المتأخرين: لا تسأل الناس والأيام عن خبري هما يبثانك الأخبار تطفيلا والمسموع: ما عليه أكثر الشعراء مما به القافية والوزن دون أن يمجه الطبع ويستشقله السمع كقول أمريء القيس:
وقوفاً بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وقول إبن المعتز:
سقى الجزيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
والمتروك: ما كن كلا على السمع والطبع كقول المتنبي:
قلقلت بالهم قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلهن قلاقل
والمقتصر على إيراده في هذا العنوان من الطبقات المذكورة ما كان من طبقتي المرقص والمطرب " وكلاهما دائر على غوص الفكرة، وإثارة المعاني، وإلى ذلك أشار والدي بقول:
إذا أنت لم تشعر بمعنى نثيره ... فقل أنا وزان وما أنا شاعر
وقد يلي من طبقتي المسموع والمقبول، ما يكون توطئة للمرقص والمطرب، فأجعله من جملة العدد ما يتعلق به، ومعظم الإعتماد في هذا الكتاب على النظم لكونه أعق في الأفكار، وأرجو في الأقطار، وهو معين على نفسه، في تذكاره ودرسه، ولم نخل بإهمال النثر بالكلية، بل أوردنا منه ما يكون كالعلم في الحلة الموشية، والنثر في كلامهم يطلق على ما هو مقيد بالسجع، وما هو غير مقيد وجميع نثر القدماء داخل في طبقة المقبول وما تحتها، وفي الجامع المتقدم الذكر ترتيب ذلك على ألإعصار، مستوفي منه ما يختار، إستيفاء مختار الأشعار، ولا نورد هنا إلا ما كان مقيداً بالسجع المسهل للفظ مما هو داخل في طبقتي المرقص والمطرب، جباً على ما إعتمدنا عليه في النظم، " عبد الحميد بن يحيى ": أمام بلغاء الكتاب، والقدرة في ضرب المثل، ومما يليق أن يثبت من نثره في هذا كتاب قوله من رسالة تب بها عن آخر خلفاء بني أمية وهو مروان الجعدي لفرق العرب حين فاض العجم من خراسان بشعار السواد قائمين بالدولة العباسية: فلا تمكنوا ناصية الدولة العربية، من يد الفئة العجيبة، وأثبتوا ريثما تتجلى هذه الغمرة، ونصحو من هذه السكرة، فسينضب السيل، وتمحى آية الليل، والله مع الصابرين، والعقبة للمتقين.
" إبراهيم بن العباس الصولي ": هو إمام كتاب الدولة العباسية في ذلك العصر، وقد حكى صاحب كتاب زهر الآداب، أنه ورد كتاب من بعض الكتاب إلى إبراهيم بن العباس، يمدح رجل ويذم آخر، فوقع: إذا كان للحسن من الجزاء ما يقنعه، وللمسيء من النكال ما يقمعه، بذل المحسن ما يجب عليه رغبة، وإنقاذ المسيء لما يكفله رهبة، فوثب الناس يقبلون يده.
" عبد الله بن المعتز ": كان ينحو في نثره من التشبيهات والتخييلات، وسائر ما يلوح عليه، غوص فكرة، منحى طريقة في النظام، فصدر عنه ما يليق بهذا الكتاب مثل قوله: