كتب لَهُ عبد الرَّحْمَن الزَّاهِد بِمَا نَصه: أما بعد، فَإِنِّي عهدتك وشأن نَفسك إِلَيْك مهما تعلم الْخَيْر وتؤدب عَلَيْهِ. وأصبحت، وَقد وليت أَمر هَذِه الْأمة، تؤدبهم على دنياهم، يذل الشريف بَين يَديك والوضيع؛ وَقد اشْترك فِيك الْعَدو وَالصديق. وَلكُل خطة من الْعدْل: فَأَي حالتيك أفضل؟ الْحَالة الأولى أم الثَّانِيَة؟ وَالسَّلَام. فَرَاجعه سَحْنُون بِأَن قَالَ لَهُ: أما بعد، فَإِنَّهُ جَاءَنِي كتابك وفهمت مَا ذكرت فِيهِ؛ وَإِنِّي أجيبك إِنَّه لَا حول وَلَا قُوَّة فِي شَيْء من الْأُمُور إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى {عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب} وَمَا كتبت إِنَّك عهدتني وشأن نَفسِي إِلَيّ مهما أعلم الْخَيْر وأودب عَلَيْهِ، وَقد أَصبَحت وَقد وليت أَمر هَذِه الْأمة وأود بهم على دنياهم. ولعمري إِنَّه من لم تصلح دُنْيَاهُ، فَسدتْ أخراه. وَفِي صَلَاح الدُّنْيَا إِذا صَحَّ الْمطعم وَالْمشْرَب، صَلَاح الْآخِرَة. وَقد حَدثنِي ابْن وهب وَرفع سَحْنُون سَنَده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالَ: نعم المطية الدُّنْيَا} فارتحلوها {فَإِنَّهَا تبلغكم الْآخِرَة} وَلنْ تبلغ الدُّنْيَا الْآخِرَة من عمل فِي الدُّنْيَا بِغَيْر الْوَاجِب من حق الله {وَأما قَوْلك وليت أَمر هَذِه الْأمة، فَإِنِّي لم أزل مبتلى، ينفذ قولي مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة فِي أبشار الْمُسلمين وأشعارهم. وَمن كَلَام عبد الله بن أبي جَعْفَر: لن تزالوا بِخَير مَا تعلمتم. فَإِذا احْتِيجَ إِلَيْكُم، فانظروا كَيفَ تَكُونُونَ. وَإِنَّمَا الْمُفْتِي قَاض يجوز قَوْله فِي أبشار الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ. فَعَلَيْك بِالدُّعَاءِ} فألزم ذَلِك نَفسك {وَالسَّلَام. وَكَانَ سَحْنُون يُؤَدب النَّاس على الْإِيمَان الَّتِي لَا تجوز، من الطَّلَاق وَالْعتاق، حَتَّى لَا يحلفوا بِغَيْر الله؛ ويؤدبهم على سوء الْحَال فِي لباسهم وَمَا نهى عَنهُ، وَيَأْمُرهُمْ بِحسن السِّيرَة وَالْقَصْد. وتخاصم إِلَيْهِ رجلَانِ صالحان من أَصْحَابه؛ فأقامهما، وأبى أَن يسمع مِنْهُمَا، وَقَالَ: اسْتُرْ عني مَا ستر الله عَلَيْكُمَا} وَهُوَ أول من نظر فِي الْحِسْبَة من الْقُضَاة، وَأمر بتغيير الْمُنكر؛ وَأول من فرق حلق الْبدع من الْجَامِع، وشرد أهل الْأَهْوَاء مِنْهُ؛ وَأول من جعل الودائع عِنْد الْأُمَنَاء؛ وَكَانَت قبل فِي بيُوت الْقُضَاة. قَالَ عِيسَى بن مِسْكين: فَحصل النَّاس بولايته على شَرِيعَته من الْحق؛ وَلم يل قَضَاء إفريقية مثله وَيُقَال إِنَّه مَا بورك لأحد، بعد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! مَا بورك لسَحْنُون فِي أَصْحَابه؛ فَإِنَّهُم كَانُوا أَئِمَّة بِكُل بَلْدَة. وَكَانَ الَّذين يحْضرُون مَجْلِسه من الْعباد أَكثر من طلاب الْعلم. وَكَانَ يَقُول: مَا أحب أَن يكون عَيْش الرجل إِلَّا على قدر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015