هَذَا الْبَاب أَخْبَار مأثورة، وحكايات مَشْهُورَة؛ وَعند ابْتِدَاء الْفُقَهَاء، بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع مجْلِس إقراء، افتتحه أَولا بالتمهيد، وختمه بِعلم الْخَلِيل، وحبره بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّعْلِيل. وَكَانَ فِي إقرائه سريع الْجَواب، متبحراً فِي علم الْإِعْرَاب، فصيح اللِّسَان، بارع البنان؛ فظفرت أَيدي الطّلبَة مِنْهُ بالكنز المذخور، المروية جَوَاهِر معارفه بدور الشذور؛ وَحصل النَّاس بولايته على طَريقَة عادلة من الشَّرْع، واعتضد مِنْهَا الأَصْل بالفرع. وَلما جرى فِي ميدانها ملْء عنانه، وشاع فِي الْآفَاق مَا شاع من سمو شَأْنه وَعدل قَضَائِهِ، وَفصل مضائه، نقل من مالقة إِلَى غرناطة حَضْرَة الْملك، وواسطة السلك أيد الله سلطانها، ومهد بعزته أوطانها {فَتقدم بهَا لتنفيذ الْأَحْكَام، بعد أَن ولي وَادي آش بأيام. فهنيت مِنْهُ الخطة الشَّرْعِيَّة بِسَيِّد مضطلع بأعباء الْقَضَاء، قد شمخ من عز النزاهة بأنف، وأمد من نور الْعقل ببرهان غير خلف؛ ثمَّ إِن الْقدر جرى بِتَأْخِيرِهِ عَن الخطة؛ من غير مُوجب سخطه. فَكَانَ فِي حَالَته كالبدر خسف عِنْد الِاسْتِقْبَال، وأدركه السوار بعد تناهي الْكَمَال: إِذا تمّ أَمر دنا نَقصه ... توقع زوالاً إِذا قيل تمّ وَلَيْسَت عوامل التَّأْخِير والتقديم، بمستنكر دُخُولهَا على كل وَال فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم؛ فقد عزل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ} زِيَاد بن أبي سُفْيَان دون باس، وَقَالَ لَهُ: كرهت أَن أحمل فضل عقلك على النَّاس {وعزل أَيْضا شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، فَقَالَ لَهُ: أعن سخطَة عزلتني؟ قَالَ: لَا} ولاكن وجدت من هُوَ مثلك فِي الصّلاح، وَأقوى مِنْك على الْعَمَل {قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ} إِن عز لَك عيب {فَأخْبر النَّاس بعذري} فَفعل عمر ذَلِك. وَكَانَ صرف الشريف أبي الْقَاسِم عَن قَضَاء الحضرة، والخطابة بهَا، فِي شهر شعْبَان من 747؛ فَانْقَطع إِلَى تدريس الْعلم، وَإِظْهَار عيونه، والاشتغال بِإِقْرَار فنونه. وَكَانَ بَينه وَبَين شَيخنَا إِمَام البلغاء أبي الْحسن بن الجياب مَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ، من المصادقة؛ فصدرت عَنهُ فِي أثْنَاء تِلْكَ الْمدَّة بَدَائِع من المخاطبات، وضروب المفاكهات، مِنْهَا قَول الشَّيْخ يرقب خطة الْقَضَاء الَّتِي كَأَنَّهَا تركت صَاحبه، وأهملت جَانِبه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015