يؤكد ذا أنا نرى كل نشأة ... تتم سريعًا عن قريب بعادها
ولكنني، أرضي عزاز صليبة ... منيع إلى كل الغروس انقيادها
فما نفذت منها لديها عروقها ... وليست تُبالي أن يجود عهادها
وهذا الشعر فخم التركيب وفيه ما ترى من نفس ابن الرومي، ولكنه غير جزل. أو قل ليس فيه ماء، إذ فخامته نحوية لغوية؛ وجزالة الشعر لا تكون من تجويد النحو واللغة فحسب، وإنما هذا عرض من أعراضها؛ بل إن الجزالة مما يكون سرًا تتبعه جودة النحو واللغة والتركيب. وأحسب من أهم عناصر أن تتحد الموسيقى التي في الوزن مع الألفاظ والمعاني اتحادًا تامًا يجعل منهن جميعًا «كلا» نغميًا واحدًا. وأبيات ابن حزم هذه، بالرغم من «كُليتها» المعنوية، وانتظام بحرها، ومظهر جودة التراكيب واللغة فيها، فاقدة للكل النغمي الذي هو من خواص جزل الشعر. وهذه شكاة تعرض لأصناف كثيرة من أشعار المولدين ولا سيما الأندلسيين. وقد كان ابن هانئ الأندلسي مقتدرًا في النظم فخم العبارات، يصيب ظاهر الجزالة في غير قليل. ومع هذا أبى المعري إلا أن يشبه شعره برحى تطحن قرونًا، يوحي بقولته هذه أن مذهبه تجازل لا جزالة. وأحسب هذا من أجود ما قيل في الفخامة التي تروع ولكنها تُشوي حاق الجزالة والأصالة (?).
هذا وكأن البديع والصاحب والخوارزمي وابن العميد قد راموا أن يعكسوا قضية ابن الرومي، لما مالوا به من إيقاع الجاحظ وسجع أبي العيناء عن طريقة التدفع والانسياب، إلى مباراة بينة لأسلوب القصيدة في الوثب واللمح وطلب التأثير بإيحاء