يقول ابن رشيق في باب المطبوع والمصنوع: "لا نجد المبتدئ في طلب التصنيع ومزاولة الكلام أكثر انتفاعًا منه بمطالعة شعر حبيب وشعر مسلم بن الوليد، لما فيهما من الفضيلة لمبتغيها، وأنهما طرقا إلى الصنعة ومعرفتها طريقًا سابلة، وأكثرا منها في أشعارهما تكثيرًا سهلها عند الناس، وجسرهم عليها. على أن مسلمًا أسهل شعرًا من حبيب، وأقل تكلفًا، وهو أول من تكلف البديع من المولدين، وأخذ نفسه بالصنعة وأكثر منها. أهـ".
وعندي أن النقاد يقرنون اسم حبيب باسم مسلم، ضنًا عليه بفضيلة السبق. يدلنا على ذلك المناظرة بين صاحب البحتري وصاحب أبي تمام التي عقدها الامدي، فصاحب أبي تمام يزعم لشاعره مذهبًا، وصاحب البحتري ينكر عليه ذلك، ويحتج ببشار وأبي نواس ومسلم بن الوليد. ولا إنكار، لأن طلب الزخرف والصناعة قد بدأ منذ أيام بني أمية، وتعاطي منه أصناف بشار وأبي نواس والخليع أطرافًا، وتأنفوا كما يلائم أذواقهم وعقليتهم الهندسية "الأربسكية" (?) كما يقول الإفرنج. وقد كان أسلوب أبي التاهية الضعيف الركيك السوقي ثورة على هذه الأنافة، وتعتلبرًا (وإن كان تعبيرًا كاذبًا منافقًا (?)، وشكرًا لأصحاب التراجم القدماء إذ قد كشفوا ذلك