قد كان كأنه إنذار وتحذير لأهله، وإخبار له بما قد حم له أمامه من الهلاك. والذي يجعلنا نرجع هذا المعنى، هو أننا لم نجد تزجر الظباء في العشايا، وإنما في الصبح والغداة، وذلك أول اليوم، ويكون للزجر والعافية حينئذ معنى، إذ بالصبح يستفتح المرء يومه. فقوله "عشية سرت عن أهلي". واستغنى بهذه العبارة القصيرة "السانحات عشية" ثقة بأن مراده واضح. هذا. هذا، ونرجع الآن إلى الأبيات التي كرر فيها الدر:

فلله دري يوم أترك طائعا ... بني بأعلى الرقمتين وماليا

ودر الطباء السانحات عشية ... يخبرن أني هالك من ورائيا

ودر كبيري اللذين كلاهما ... علي شقيق ناصح لو نهانيا (?)

ودر الرجال الشاهدين تفتكي ... بأمري ألا يقصروا من وثاقيا

ودر الهوى من حيث يدعو صحابتي ... ودر لجاجتي ودر انتهائيا (?)

تكرار "الدر" في هذه الأبيات يحمل طابع الترنم الذي كنا تحدثنا عنه آنقًا، وهو في نفس الوقت تكرار صوري الطابع، ليس العمد فيه إلى تقوية النغم، بأظهر من العمد إلى تقوية روح الحسرة والندم، والأسى، وكأن "ولله دري" "ودر الظباء" و"در كبيري" الخ، كلها نوع من عض البنان، وقرع السن ونكت الأرض، تفجعا وتوجعا على ما قد فات، وقال رحمة الله يتذكر ماضيه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015