ومنها ما يؤثر اللفظ القيصر، ومنها ما يؤثر التطويل. وحظوظ الكلمات تنخفض وترتفع تبعًا لهذا.

ثم إن ظروف الحياة في عصرٍ ما، كثيرًا ما تباين العصور التي قبله أو بعده. فالجاهلي مثلًا، لم يكن يهتم بالتجارة أو المعاملة المالية اهتمام البغدادي العباسي. وهذا لم يكن يعرف شيئًا عن السكك الحديدية التي هي من الأشياء المألوفة في حياة العصري. ومثل هذا التباين قد ينشأ منه تباين في مدلول الكلمة الواحدة، مع احتفاظها بمعناها الأصلي. كملة "سكة" مثًلا ترتبط في ذهن الجاهلي بسكة النخل، وفي ذهن العباسي إن لم يكن من طلاب الأحاديث والمرتادين لمجالس أبوي العباس، ترتبط بسكة النقد، وفي ذهن المعاصر ترتبط بالسكة الحديدية. وكل هذه الارتباطات تضفي جانبًا من الغموض على معناها الأصلي، وتحصر دائرتها في الاستعمال. وخذ كلمة تجارة مثًلا، أتظن الجاهلي كان يلبسها لونًا قريبًا مما نلبسه إياها نحن الآن حين نقول " كلية التجارة" مثًلا؟ وانظر إلى قول النهشلي:

ولقد أروح على التجار مرجًلا .... مذلا بمالي لينا أجيادي (?)

ألا تجدك، مع علمك بأنه قصد الخمارين بقوله "التجار" في هذا البيت، لا تستطيع أن تصرف عن ذهنك صورة "الدكاكين" ذوات الرفوف التي نراها في مدننا العصرية؟ وهنا ننبه إلى عامل نفسي مهم، له صله وثيقة جدًا بكل ما تحدثه العصور من تطورات في اللغة الواحدة وفي غيرها، وهو عامل تداعي المعاني. وأثر هذا العامل في تكوين الأذواق من عصر إلى عصر بليغ للغاية. انظر مثًلا كلمة "صرم" بمعنى "هجر" كيف ربطها الذوق منذ أواخر العهد العباسي إلي اليوم بكلمة "ثرم" التي تنطق عند العامة في بعض بلدان العرب (?) (بإبدال الثاء صادًا، فكان هذا سببًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015