ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كُلى مفرية سرب

وضلالاً كان يعدها ذو الرمة أميرة شعره (?)، فالرجل قد كان ذا مزاج متمهل متأمل، وكان الخبر أغلب في مذهبه من الإنشاء، والطويل أشبه به من البسيط.

ولعلك تقول لي هنا كالمعترض: ماذا عندك في هائية البحتري (ديوانه 319) يامن رأى البركة الحسناء رؤيتها» فهي من الوصف الهادئ المتمهل فيما يبدو، ولا ريب في جودتها، وبحرها البسيط كما تعلم؟ وجوابي عن ذلك أن هذا المزعم مردود، لأن هذه القصيدة مع دقة الوصف فيها، ونعومة المأتى، وإرهاف الحس وجودة السبك، ومع لفظها الناصع، وتمليها من نضرة الحضارة، ما أريد بها محض الوصف، ولا حاق التأمل. وإنما أنشأها البحتري ليمدح بها الخليفة ويشيد بمحامده وآثاره، ويسجل فيها حادثًا من أحداث البلاط العظيمة، هو تشييد البركة المتوكلية. ولا شك أن البحتري كان قد أعد هذه الهائية لتلقى في مشهد حافل، وعمد بها عمد الخطابة، ومن أجل ذلك اختار لها بحر البسيط (?) وأورد لك طرفًا منها لتتبين صحة ما أقول:

يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها ... والآنسات إذا لاحت مغانيها

ما بال دجلة كالغيري تُنافسها ... في الحسن طورًا وأطوارًا تُباريها

أما رأت كالئ الإسلام يكلؤها ... من أن تُعاب وباني المجد يبنيها

كأن جن سليمان الذين ولوا ... إبداعها فأدقوا في معانيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015