فلما أجزنا ساحة الحي قلن لي ... ألم تتق الأعداء والليل مُقمر
وقُلن أهذا دأيك الدهر سادرًا ... أما تستحي أو ترعوي أو تُفكر
وهذا كلام يكتفي بنفسه عن الشرح والتعليق. ولعلك تقول: أليس أولى بهذا الكلام أن لو كان جاء به صاحبه في غير الطويل، لخلوه مما كنت ذكرته من الجد، وهذا لهو كله. وجوابي على ذلك أن هذا الكلام على عبثه جاد. وقد كان ابن أبي ربيعة رجل هوى وغرام. وله في تصوير غرامه مذاهب. فمن ذلك أن يورده على سبيل التظرف والملح، وعندئذ يختار له القصار من البحور. ومن ذلك أن يشيد به، ويفخمه، ويظهره مظهر الجليل من الأعمال، ويحتفل له احتفال زهير لصلح عبس وذبيان. وعندئذ يعمد إلى الطويل، ويتخير له ما يلائمه من جزالة اللفظ ورصانته، وهذا ما فعله في الرائية التي اخترنا منها ما اخترناه، وما فعله في عينيته:
ألم تسأل الأطلال والمُتربعا ... ببطن حُليات دوارس بلقعا
وفي هذه العينية من الاحتفال للغزل ومواعد الغرام ما لا تكاد تجده في شعر آخر. ومذهب الشاعر بعد في كلا القصيدتين العينية والرائية، مذهب «ارستقراطية» وعز وخفض، وكذلك مذهبه في اللامية:
جرى ناصح بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتلي (?)