فالإله العظيم لا يرجم العبـ ... ـــــد إذا كان في جلال السجود
هذا المعنى قرآني الأصل: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال] هذه الأبيات من «عذبة أنت» إلى «السجود» هي مختار القصيدة وسائرها بعد إطناب وإسهاب، بعضه أفضى إليه اندفاع الشيبة وبعضه إرث الفقير المسجدي من المباهاة بطول النفس، وأكثره فرط إلحاح على قرع باب الانتماء إلى دنيا التجديد وعالم رومنسيتها المسحور: الطبيعة، الربيع، اللحون، الأحلام، تحطيم القيود، النور، تبديد الظلام، هذا الحشو الهوائي كأنه ضرورة للتعبير عن الضيعة التائهة والازدواجية المركبة، والجند الغريب الذي تغلغل في صميم دولة غرف الإسلام والعرب، والشابي به صيحة حيرة وطموح وإخفاق.
التجاني يوسف بشير رحمه الله [1912 - 1936 م] مما يقرن اسمه باسم الشابي ويقال إنهما شاعران متشابهان (?) - بينهما تشابه من حيث إنهما كليهما لم يتلقيا تعليمهما في مدارس العصر الأفرنجية الرومية النظام، ولكن في «الخلوة» [أي كتاب القرآن] والجامع وعاصرًا زمان دعوة التجديد ومجلة أبولو في مصر وحركة شعراء المهجر، وتثقفًا بأدب النهضة، وشهدا أوائل دعوة القومية والتحرر من ربقة الاستعمار، وشاركا في ذلك بجهد ما استطاعا من انفعال القلب وبيان القلم.
صم بينهما مع هذا التشابه اختلاف كبير. السودان بالنسبة إلى مصر وتونس والشام بادية وصحراء. «والبقعة (?) التي كانت أكبر مدن السودان على زمان التجاني، ولا تزال، ما كانت حينئذ إلا أحوية وجدرا من طين، لولا بقايا أنقاض من سور الخليفة