نبينا الآمر الناهي فلا أحد ... أبر في قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم
وأخذ بعضهم عليه قوله: «لولاه لم تخرج الدنيا من العدم» - ولعمرك إن تحجير الواسع لضلال والمسارعة إلى تخطئة المصيبين من الخطل، وقد بين البوصيري حقيقة مراده بقوله:
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم
فبرر خروج الدنيا به من العدم وفسره بأمرين بأنه هو الحبيب، وبأنه هو الذي جاء بالدين وبالبشرى ويرجو شفاعته المؤمنون. وقال تعالى جل من قائل: {أو من كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} فالكفر وظلماته موت وعدم كما ترى. وقال تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} فالعدم موت كما ترى. وقال ابن العلاء:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
أضف إلى هذا ما ذكرناه من أن البوصيري عاش في زمان جهاد بين مجاهدين لا في زمان استقرار الخلافة والملك الذي سبق حين كان أصحاب مثل ملكته القوية مقبلين على مدح الملوك وأهل الجاه ويتنافسون على ما عندهم من حطامها ويتقاتلون ولا بآخرة من الوقت كزماننا هذا الذي ضعف فيه أمر البيان والإيمان والجهاد جميعًا فنسأل الله الهداية والتوفيق ونعوذ به من الخذلان وأن تزيغ القلوب.
وقال في ورم قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيام الليل وقيامه مذكور في القرآن:
{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك} [الآية]:
ورمت إذ رمى بها ظلم الليـ ... ـــــل إلى الله خوفه والرجاء
خوفه فاعل رمى وهذا موضع الجودة. ويجوز أن يكون خوفه مبتدأ خبره شبه الجملة قبله وفاعل رمى ضمير مستتر والأول هو الجيد.
دميت في الوغى لتكسب طيبًا ... ما أراقت من الدم الشهداء
تكسب متعد لاثنين ثلاثيًا ورباعيًا ومنه الحديث وتكسب المعدوم أي تكسب من لا مال له مالًا، أي الدم الذي سال منها يعطر به ما أريق من دم الشهداء في سبيل الله.