أم لا يزيد أحيانًا في بلاغة الكلم البليغ أن يجاء فيه بكلمة ذات دلالة واضحة في لغة أخرى لكي تنتقل بعض ألوان تلك الدلالة إلى السياق الذي هي فيه؟

ذلك واضح سائغ في كل اللغات إلى الآن.

على أنه ينبغي أن نذكر أن مكة كانت ملتقى تجارة العالم كله آنئد فكم من كلمة صهرتها ألسن العرب فيها فصارت عربية -هذا على تقدير التسليم أن العرب استعارت أمثال قنطار ودينار لتدير به تجارتها، وقوله تعالى: {والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} يدل على اطمئنان الكلمة في بحبوحة العربية.

على أن العربية لغة قديمة الأصول والروم والفرس واليونان كل أولئك أحدث عهدًا في الوجود الحضاري من العرب -عادهم وثمودهم وجرهمهم وقطوراهم وأميمهم وطسمهم وجديسهم وعماليقهم بله حمير وسبأ واليمن الأقدمين.

قال أبو عبيدة (وقد ذكروا أنه كان شعوبيًا واتهموه بمذهب الخوارج وهلم جرا) (?) قال في أوائل كتابه بعد البسملة: قالوا إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصداق ذلك في آية من القرآن وفي آية أخرى {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه لأنهم كانوا عرب الألسن فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص. وفي القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الأعراب ومن الغريب والمعاني. وقال رحمه الله في فصل تال: «نزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن «طه» بالنبطية فقد أكبر، وإن لم يعلم ما هو، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها، وقد يوافق اللفظ ويقاربه ومعناهما واحد وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها. فمن ذلك الاستبرق بالعربية وهو الغليظ من الديباج والفرند وهو بالفارسية استبره وكوز وهو بالعربية جوز وأشباه هذا كثير. ومن زعم أن «حجارة من سجيل» بالفارسية فقد أعظم، ومن قال إنه سنك وكل، إنما السجيلة الشديد.»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015