والمعاني التي يحتاج لأجلها إلى زيادة هذه الحروف في الأفعال، ليقع بها الفرق بين بعضها وبعض أربعة كما قد علمت، فاحتيج مع حروف اللين الثلاثة إلى حرف رابع يكملها، فضموا إليها النون، لأنها أشبه الحروف الصحاح بالحروف المعتلة، لزيادة الصوت فيها، وهو (?) الغنَّة - كزيادته في تلك، وهو المد ـ فيها، أي في الحروف الثلاثة، ولكونها ذاتَ مخرجين، من اللسان تارة، وذلك إذا تحركت، ومن الخياشيم أخرى، وذلك إذا سكنت كنون "مِنْ" و"عَن".
ولهذا الشبه بينها وبينهنَّ أبْدلت منهن في كثير من المواضع وأبدلن منها، كإبدال الألف من التنوين في حال الوقف على المنصوب في جيد اللغة حين تقول: رأيت زيداً، وكإبدال النون من الواو في قولك في النسب إلى صنعاءَ وبهراءَ (?): صنعاني وبهرانيّ والأصل صنعاويّ وبهراويّ، إلى غير ذلك من وجوه شبه بينها وبينهنّ يطول بذكرها الفصل.
فلما كملت الحروف أربعة، وهي "الواو" و"الألف" و"الياء" و"النون"، أرادوا أن يزيدوا الواو، فصدّهم مع إمكان ذلك أن أنّ من الأفعال ما فاؤه "واو" أن يزيدوا الواو، فصدهم مع إمكان ذلك أن من الأفعال ما فاؤه "واو" نحو وزن ووعد وورد، فلو زادوا الواو للمضارعة لاجتمع في أول هذا الضرب من الأفعال - وهو المعتل الفاء بالواو - واوان: الأصلية، وحرف المضارعة، وربما عرضت للدخول عليهما واو العطف كما تعرض لغير ذلك، إذ كان عطف الفعل على فعل مثله شائعاً، فكان ذلك يؤدي إلى اجتماع ثلاث واوات فيشبه مع ثقله صوتاً منكراً، فاطرحوا زيادة الواو لذا ومثله، فعدلوا عنها إلى التاء، لأنها قد أبدلت منها كثيراً في مثل تجاه وتراث وأصلهما وجاه ووارث كقولك: الوجه وواجهت، وورثت، فأقاموها مقام الواو، واشترك في لفظها المذكر والحاضر، لأنه مخاطب، وللمخاطب التاء، والمؤنثة الغائبة، والتاء من علامات التأنيث أيضاً.