كل هذه الحروف تعاويض من تخفيف أن وحذف اسمها، وهو ضمير الشأن والحديث مع إحدى نونيها التي وقع التخفيف بحذفها، فاعرفه. واعلم أن من الحروف ما أصله في كلامهم أن يكون عاملاً، وعلى ذلك استعملوه حين أعملوه، ثم يدخل عليه حرفٌ يسمى عندهم كافاً لكفه ما دخل عليه من العوامل عن عمله. فمن هذه العوامل المكفوفة "إن" وأخواتها، هي عاملة في المبتدأ وخبره كما قد علمت تنصب المبتدأ بأنه اسمها وترفع الخبر بأنه خبرها إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، فإذا دخلت عليها "ما" وهي الحرف الكاف هيأتها بدخولها لوقوع الفعل بعدها، فبطل مع دخولها عملها، لأنها تخرج بدخول "ما" عليها عن وضعها مختصة بالاسم دون الفعل وتصير مشتركة بينهما، ومن شرط العمل الاختصاص ومن شرط إبطاله الاشتراك. ويدلك على إبطال عملها وقوع الاسمين بعدها، إذا كفتها "ما"، مرفوعين فتقول: إنما زيدٌ قائم، والجملة من الفعل والفاعل، إنما يخرج زيدٌ غداً، قال الله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (?) [النساء: 171] و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ} (?) [النازعات: 45] فهذا ابتداوٌ وخبرٌ، وقال في الفعل والفاعل {إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (?) [الأنبياء: 45] و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (?) [فاطر: 28] وقال الشاعر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015