والثاني مما تتساوى الأفعال في نصبه، الظرف، وهو اسم الزمان أو المكان، لأن الفعل لا يصح وقوعه عاريًا منهما، فدل عليهما بمعناه كما ذل على المصدر، إلا أن دلالته على المصدر أقوى لضمنه حروفه مع دلالته عليه من معناه؛ مع اقتطاعه منه، ولهذا تعدى إلى جميع ضروبه، ولم يتعد إلى جميع ضروب أسماء المكان.
وقد كان قياس أسماء الزمان هذا القياس، إلا أن الزمان أشبه الأحداث لتقضيه وكونه لا لبث له كما أن الأحداث كذلك، فتعدى (?) الفعل لذلك إلى جميع أسماء الزمان على العموم، من مبهم ومختص ومعرفة ونكرة، ولم يتعد من أسماء المكان إلا إلى ما كان مبهمًا غير مختص، مما في الفعل دلالة عليه.
فلهذا تقول في الزمان: سرت يومًا وساعةً وحينًا، وصُمت شهر رمضان وقدمتُ يوم الجمعة، وتقول: انطلقت أمامك ووقفت وراءك، وكذلك حكم بقية الجهات الست من المكان وهي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام ووراء وما أشبهها من ظروف المكان كـ "عند"، وهي اشد إبهامًا منها، أعني من الجهات الست، ألا ترى أنه يصح أن تُطلق على كل واحدة من هذه الجهات، فتقول: الشيء عندي، وهو إما فوقك أو تحتك أو عن يمينك أو عن شمالك أو أمامك أو وراءك وكذلك "وسط"، لأنه اسم لا يختص مكانًا دون مكان.
وظروف الزمان أشبه بالأفعال، لهذا (?) صيغت لها، وظروف المكان أشبه بالجثث لكونها ذات صور وخلق، فمتى كان المكان مختصًا لم يتعد إليه الفعل، إلا على حد تعديه إلى المفعولين، فكما لا يصح أن تقول: جلست زيدًا، لا تقول: جلست المسجد وكما يصح أن تقول: جلست إلى زيد، يصح أن تقول: جلست في المسجد، فأما قول الشاعر: