قال محمد بن حمدون: كان الواثق يحب المواخير وما قيل فيها وما غنى به في ذكرها، فعقد حانتين إحداهما في دار الحرم والأخرى على الشط وأمر بأن يختار له خمار جميل المنظر حاذق بأمر الشراب ولا يكون إلا نصرانيا من أهل قُطْرَبُلّ فأتى بنصراني له بنان نظيفان مليحان وابنتان بهذه الصفة، فجعلهم الواثق في الحانتين وضم إليهم خدما وغلماناً وجواري رومية وأخدم النساء حانة الحرم وعلق
عليهما الستور وجعل فيها الأواني المذهبة والدنان المدهونة فكأننا أحسن منظر وأبهاه.
فلما فرغ منهما أمر بإحضار المغنين والجلساء ولم يدع أحداً من ضُرَّاب الطنابير إلا أحضره وحضرنا وخرج الخمار هو وأولاده معه عليهم الأقية المسهمة وفي أواسطهم الزنابير المحلاة ومعهم غلمان يحملون المكابيل والكيزان والمبازل في الصواني. وأخرجت تلك الدنان المذهبة فأقيمت بإزاء المجلس الذي كان فيه جالساً فُبزلت كما يفعل في الحانات وجعل يُؤتي بالأنموذجات فيذوقها ويعرض ذلك على الجلساء فيختار كل منهم ما يشتهيه فيأخذ دنّاً إلى الخمار ويكتال منه بمكيال في إنائه كما يفعل في المواخير ويوضع على رأس الحضور أكاليل الآس وما أشبهه من الرياحين.
فشرب الواثق شرباً كثيراً وأمر للخمار بألف دينار ولزوجته بألف دينار ولكل واحد من أولاده بخمسمائة دينار.
وحكى الحسين بن الضحاك قال: قال لي الواثق: هل لك في حانة الشط؟ فقلت إي والله يا أمير المؤمنين! فقام إليها فشرب وطرب وما ترك أحداً من الجلساء