حقيقة لا مرَاءَ فيها. . . فأي طرق التربية آثره في حياة المرأة. وأحمق باستكمال فضائلها، وإذاعة مزاياها؟
الدين وحده هو الكفيل بذلك. فهي بمالها من انفساح مدى التصور، وقوّة سلطان العاطفة. تتمثل عظمة الله بأكثر مما يتمثل الرجل. وتستشعر حبه والخوف منه بأشدّ مما يستشعر.
إن إيمان المرأة إيمان لا مثار فيه للتريب، ولا مجال للشبهات. فهي لا تعتصم بالتأويل، ولا تفرع إلى الحيلة، شأن الرجل إذا أثقله الواجب وأعياه الاحتمال فإذا أشربت ذلك الإيمان منذ أول عهدها، ولدُونة عُودها، وجدت الله ملء سمعها، وبصرها، وقلبها، وسريرتها، فلا تشعر إلا به، ولا تعمل إلا له، ولا تقدم على ما عساه يغضبه، ويستنزل سخطه.
إن تصديق المرأة تصديق وثيق عميق، فهي لا تحاول - كما يحاول الرجل - تطبيق أمور الدين جليلها ودقيقها على عقلها. وفي الدين أشياء لا تنالها العقول إلا إذا رسخت حكمتها. ورجحت كفتها، واتسعت رُقعتها، وأين للناس أن يكونوا جميعاً كذلك؟
ولستُ بناس أبد الدهر مشهداً لا يزال على طول العهد به يهتاج عواطفى، ويحيل جوانحي وجوارحي إلى وجدان فياض، ومشاعر ثائره. وهو على ما نقول أدل وبه أمثل. وذلك أقصه عليك:
في أصيل يوم صيف سنة 1914 كنت واقفاً في جمهور الواقفين في محطة طنطا أترقب القطار القادم من الإسكندرية، لأتخذه إلى القاهرة.
لقد كان كلُّ في شغل بتلك الدقائق المعدودات يقضيها في توديع وإشفاق، وترقب وانتظار، وحمل متاع وتنسيق آخر، وكنت في شغل بصديق يجاذبني