نتائج المحنة

لكل امتحان نتائجه، ولكل بلية عواقبها وآثارها، ونار هذه الفتنة لم تخمد بموت المعتصم ولا بذهاب الواثق، لأنها مسألة تتعلق بالعقيدة وبكلام الله تعالى، ولئن كان الإمام أحمد واجهها بذلك الثبات، واستحق بثباته وسعة علمه وورعه أن يلقب بإمام أهل السنة، فإن القوم لم يهدأ روعهم، ولم يستقر قرارهم.

كان الفقهاء يساقون من الأمصار إلى بغداد، ليختبروا في هذه المسألة، ويفتش عن خبايا قلولهم، وكان منهم أبو يعقوب البويطي الفقيه المصري صاحب الشافعي، فقد جيء به من مصر محمولًا مقيدًا في الأغلال، وأودع السجن حتى مات فيه سنة 231 هـ. ومنهم نعيم بن حماد، فقد مات في سجن الواثق أيضًا سنة 228 هـ (?)

وكان من أمر الواثق لما استخلف أنه كتب إلى قاضي مصر محمد بن الحارث بن أبي الليث (250 هـ) بامتحان الناس في القرآن، فهرب كثير منهم، وملأ السجون بالكثير ممن أنكر المسألة، وكتب على أبواب المساجد "لا إله إلا الله رب القرآن وخالقه".

وعلى الرغم من تمدد مضاعفات هذه المحنة إلى الأمصار الإسلامية، واتباع الولاة مذهب الخليفة في استنطاق القضاة والفقهاء والمحدثين لمعرفة رأيهم في هذه المسألة، على الرغم من ذلك كله، فقد تغلب مذهب أهل الحق فيما بعد، وأدرك الواثق في آخر أيامه ضعف ما هو عليه مما ورث عمن قبله من سوء القول في كتاب الله العزيز، حتى روي أنه ترك امتحان الناس بسبب مناظرة جرت بين يديه رأى بها أن الأولى ترك الإمتحان (?).

ولما ولي المتوكل بعد الواثق (232 - 247 هـ)، خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الإعتقاد، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن، ونهى عن الجدال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015