• صور من حياته التعليمية في بغداد:
سبق القول: إن الإمام الشافعي كان قد دخل بغداد معلمًا مربيًا فيما بين 195 و 197 هـ، فكان أحمد يجلس إليه ويحرص على دروسه العامة والخاصة إلى أن غادر بغداد في أواخر 198 هـ بعد الزيارة الأخيرة التي وقعت له هناك.
وكانت هذه الفترة فترة اضطراب وفتن متكررة بين الأمين والمأمون، فقد بدأ الخلاف بينهما منذ تولي الأمين الخلافة سنة 193 هـ ثم تفاقم ذلك في سنة 194 هـ وفي سنة 195 هـ بدأت المواجهات المسلحة وظهرت آثار الخلاف في جميع الأمصار. وفي سنة 196 هـ خلع أهل بغداد بيعة الأمين وأخذوا البيعة لأخيه المأمون. وفي سنة 197 هـ تم حصار بغداد على الأمين، وكانت الوقاح والمشادات تترى بين جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين وبين أنصار الأمين، وانتهت الأحداث بقتل الأمين سنة 198 هـ واستقر الأمر من ذلك التاريخ لأخيه.
وقد وصف ابن كثير صورة من تلك الحوادث والمدلهمات، فقال: "استهلت أي سنة 197 هـ وقد ألح طاهر بن الحسين وهَرْثَمة بن أعين، ومن معهما من الجنود في حصار بغداد، والتضييق على محمد الأمين، وهرب القاسم بن الرشيد، وعمه منصور بن المهدي إلى المأمون فأكرمهما، وولّى أخاه القاسم جرجان، واشتد الحصار ببغداد، ونصبت عليها المجانيق والعرَّادات، وضاق الأمين بهم ذرعًا، ولم يبق معه ما ينفق في الجند، فاضطر إلى ضرب آنية الفضة والذهب دراهم ودنانير، وهرب كثير من جنده إلى طاهر، وقُتل من أهل البلد خلق كثير، وأخذت أموال كثيرة من التجار، وبعث محمد الأمين إلى قصور كثيرة، ودور شهيرة، وأماكن ومحالَّ كثيرة فحرقها لما رأى في ذلك من المصلحة، فعل كل هذا فرارًا من الموت، ولتدوم الخلافة له، فلم تدم، وقتل، وخُربت دياره، وفعل طاهر مثل ما فعل الأمين حتى كادت بغداد تخرب بكمالها، فقال بعض الشعراء ذلك:
من ذا أصابك يا بغداد بالعين ... ألم تكوني زمانًا قرة العين؟
ألم يكن فيك قوم كان مسكنهم ... وكان قربهم زينًا من الزين؟ (?)